المسؤولية المدنية
للدكتور محمد البوشواري
هـذا الجزء مقتطف من كـتاب ( المسؤولية المدنية )، للدكتور محمد البوشواري
أستاذ بكلية الحقوق ، جامعة إبن زهر ، أكـادير
الطبعة الثانية 2008 ، مطبعة اشرف تاسيلا اكادير، الايداع القانوني: 2008/2306
مـقدمة :
المسؤولية أو الأمانة خاصية من خصائص الإنسان، ميزه الله بها منذ أن خلقه ومنحه عقلا مميزا يدرك الخير والشر،
والقبح والفساد.
قال تعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه
كان ظلوما جهولا "
والأمانة في الآية هي التزامات وتكاليف شرعية عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال الراسيات فخفن من
ثقلها وشدتها وأعرضن عن حملها، وتحملها الإنسان الظالم لنفسه، الجاهل بعواقب الأمور.
والمسؤولية بهذا المعنى هي ما يسميه القانونيون بالمسؤولية الأدبية أو الأخلاقية، وهي المسؤولية التي تشمل علاقة
الإنسان بربه وينفسه وبغيره من الناس.
وفي مقابلها المسؤولية القانونية، وهي التي تربط علاقة الإنسان بغيره من الناس، ومصدر التزاماتها القانون،
وهي تنقسم إلى نوعين: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية .
وهذه الأخيرة هي موضوع هذه الدراسة، وتتفرع إلى نوعين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية
( العمل غير المشروع )، وعليه فإن دراستنا لموضوع المسؤولية المدنية سوف تتناول الفصول الآتية :
فصل تمهيدي في مفهوم المسؤولية وأقسامها وعلاقتها بقانون الإلتزامات والعقود المغربي.
الفصل الأول: المسؤولية التقصيرية ( العمل غير المشروع ).
الفصل الثاني: المسؤولية العقدية.
فـصل تـمهيدي : في مفهوم المسؤولية وأقسامها وعلاقتها بقانون الالتزامات والعقود
إن موضوع المسؤولية له مكانة مرموقة بين موضوعات القانون المدني عموما، وفي مصادر الالتزامات خاصة، لم
تدركها الإنسانية مرة واحدة بل تدرجت في ذلك حقبا زمنية طويلة.
وللوقوف على أهمية موضوع المسؤولية وعلاقته بالقانون المدني سنخصص هذا الفصل للحديث عن مفهوم المسؤولية
وأقسامها عموما، ثم المسؤولية المدنية وتطورها، وأخيرا علاقة هذه المسؤولية بقانون الالتزامات والعقود المغربي.
المبحث الأول: مفهوم المسؤولية وأقسامها.
المسؤولية هي تشخيص لحالة الفرد الذي اقترف أمرا من الأمور يستلزم التبعة والمؤاخذة.
وتختلف نوعيتها باختلاف الأسباب التي أدت إليها والنتائج المتولدة عنها، انطلاقا من ذلك سنعمل على تحديد مفهوم المسؤولية ومشروعيتها ثم أقسامها.
المطلب الأول: مفهوم المسؤولية ومشروعيتها.
أولا: المسؤولية لغة: هي التبعة، ومنه تحمل التبعة، وهو اصطلاح قانوني حديث، يقابله عند فقهاء الإسلام "الضمان"،
ويعني أن الشخص الضامن هو المتحمل لغرم الهلاك أو النقصان أو التعيب إذا طرأ على الشيء.
وقد أطلق الضمان على الالتزام، باعتبار أن ذمة الضامن منشغلة بما ضمن فيلتزم بأدائه.
ومن معاني الضمان عند الفقهاء "الالتزام بتعويض مالي عن ضرر الغير"، واستعمله حل الفقهاء بمعنى تحمل تبعة الهلاك،
وهو المدلول المقصود في قواعدهم "الغرم بالغنم" "والخراج بالضمان".
ثـانيا: تطلق المسؤولية اصطلاحا على عدة معان متقاربة، ومنها:
* المؤاخذة أو المحاسبة على فعل أو سلوك معين.
* الجزاء المترتب عن ترك الواجب، أو فعل ماكان يجب الامتناع عنه.
* تحمل الشخص نتائج وعواقب التقصير الصادر عنه، أو من يتولى رقابته أو الاشراف عليه.
* لكن التعريف الشامل لهذه المعان هو: التزام المسؤول -في حدود القانون- بتعويض الغير النتضرر عن الضرر الذي
أصابه نتيجة مالحقه من تلف مال أو ضياع منافع، أو عن ضرر جزئي أو كلي مادي أو معنوي، حادث النفس.
ثالثا: تستمد المسؤولية أساسها ومشروعيتها من آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة نذكر منها:
- قوله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم".
- وقوله تعالى: "فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ".
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه".
- وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: "لاضرر ولا ضرار".
المطلب الثاني: أقسام المسؤولية.
تنقسم المسؤولية، حسب التعريف السابق، وحسب درجة خطورة الضرر المترتب عن عمل الشخص وطبيعة الجزاء الذي
يوقع على الفاعل إلى مسؤولية أخلاقية ومسؤولية قانونية، وتنقسم المسؤولية القانونية إلى مسؤولية جنائية
ومسؤولية مدنية.
البند الأول: المسؤولية الأخلاقية (الأدبية) والمسؤولية القانونية.
أولا: المسؤولية الأخلاقية، هي التي تترتب عن مخالفة قواعد الأخلاق، فيسأل أمام الله وأمام ضميره، ولايتريب عليها
أي جزاء قانوني.
ولايشترط لقيام هذه المسؤولية حدوث ضرر للغير، بل يكفي أن ينوي الإنسان ويتمنى شرا لغيره حتى تتحقق هذه
المسؤولية.
ثانيا: المسؤولية القانونية:
وهي التي يترتب عليها جزاء قانوني جراء مخالفة واجب من الواجبات الاجتماعية، وهي نوعان مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية.
ثالثا: مميزاتهما:
تتميز المسؤولية الأخلاقية عن المسؤولية القانونية بما يلي:
أ-المسؤولية الأدبية أوسع نطاقا من المسؤولية القانونية، فهي تتصل بعلاقة الإنسان بربه، وبعلاقته بنفسه، وبعلاقته بغيره من الناس.
أما المسؤولية القانونية فتتصل بعلاقة بعلاقة الإنسان مع غيره من الناس فقط.
ب-تتحقق المسؤولية الأدبية بمجرد وجود سوء النية، ولا تتحقق المسؤولية القانونية إلا إذا ألحق ضرر بالغير.
ج-الجزاء في المسؤولية الأدبية ذاتي يتجلى في مسؤولية الإنسان أمام الله وأمام ضميره، والجزاء في المسؤولية القانونية يحدده القانون.
البند الثاني: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية.
أولا: المسؤولية الجنائية، تعني تحمل الشخص لتبعات أفعاله الجنائية المجرمة، بمقتضى نص في القانون كالقتل والسرقة وخيانة الأمانة، وهي تترتب على ارتكاب جريمة من الجرائم، وتؤدي إلى عقاب مرتكب هذه الجريمة.
والجرائم محددة بالقانون وفق مبدأ "لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص".
ثانيا: المسؤولية المدنية:
ويراد بها إلزام المسؤول بأداء تعويض للطرف المضرور في الحالات التي تتوفر شروط هذه المسؤولية، فهي لاتحمل معنى الردع بقدر ماتفيد معنى حبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول.
ثالثا: مميزاتهما:
تتميز المسؤولية الجنائية عن المسؤولية المدنية بمميزات أهمها:
- في الدعوى الجنائية ليس للمضرور أن يتنازل عن الدعوى العمومية لأنها حق للمجتمع الذي تمثله النيابة العامة. في حين أن المضرور له كامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعلق ذلك بمصلحته الشخصية.
- الجزاء المترتب عن الأفعال الجنائية يتمثل في العقوبات الصارمة كالسجن والمصادرة والغرامات، أما الجزاء المدني فينحصر في التعويض.
- النية ركن في المسؤولية الجنائية، ويجب ان يكون لها مظهر خارجي لأن مجرد التصميم لا عقاب عليه، وقد يعاقب الشروع في التنفيذ.
وفي المسؤولية المدنية لاتشترط النية، وسواء كان العمل غير المشروع عمدا أو خطأ فإن الضرر الذي يحدثه يجب أن يعوض كاملا، وأكثر الأخطاء المدنية ترتكب عن طريق الإهمال لا العمد.
- إذا نتج عن الفعل الواحد دعويان إحداهما جنائية والاخرى مدنية، كالضرب والجرح المتسبب في إلحاق الضرر بالمضرور، فإن هذا الأخير له الحق في رفع دعوى المطالب المدنية إلى المحكمة الزجرية في شكل دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية، والعكس غير ممكن، كما له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة إلى المحكمة المدنية.
والعادة جرت برفع الدعوى المدنية امام المحكمة الجنائية لما تملكه هذه الأخيرة من إمكانيات لفض النزاع بسرعة.
- إذا فضل المضرور إقامة دعوى المطالب المدنية بصورة مستقلة امام القضاء المدني تعين على هذا الأخير ألا يفصل في تلك المطالب حتى يتم الفصل في الدعوى العمومية، إعمالا لقاعدة "الجنائي يعقل المدني".
- تتقيد المحكمة المدنية بالحكم الصادر في الدعوى الجنائية من حيث ثبوت الوقائع أو نفيها لا من حيث تكييفها. فقد تحكم المحكمة الجنائية بالبراءة لعدم توفر القصد الجنائي، بينما لايلزم هذا القصد في المسؤولية المدنية.
- لكل من دعوى المسؤولية الجنائية ودعوى المسؤولية المدنية تقادما مستقلا، فحسب الفصل 4(ق.م.ج) فإن الدعوى الجنائية تتقادم بمرور عشرين سنة من يوم اقتراف الجريمة بالنسبة للجنايات، وبخمس سنوات بالنسبة للجنح، وبسنتين بالنسبة للجنح الضبطية.
أما بالنسبة للدعاوي المدنية فإن تقادمها يختلف بحسب ما إذا كانت الدعوى عقدية أو تقصيرية وفقا للفصلين (106 و 387 ق.ل.ع).
المبحث الثاني: المسؤولية المدنية أقسامها وتطورها.
إذا ما أصيب شخص بضرر مادي في جسمه أو ماله، أو معنوي في شعوره، يثار التساؤل حول من يتحمل المسؤولية، هل يتحملها هو، أم يتحملها الغير فيطالبه بالتعويض.
وحدها المسؤولية المدنية هي الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، وتحديد الشروط الواجب توافرها لقيام مسؤولية الغير.
وقد تطورت هذ المسؤولية عبر مراحل تاريخية، وتنقسم إلى قسمين: المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: تطور المسؤولية المدنية.
إن ما وصلت إليه المسؤولية المدنية من تطور في الوقت الحاضر في مختلف الأنظمة القانونية المعاصرة لم يأت دفعة واحدة بل ترسخ عبر مراحل تاريخية متتالية.
تميزت المرحلة الأولى بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية واختلاطهما، فكان جزاء الفعل الضار متروكا للمضرور يثأر بنفسه ممن أوقع به الضرر دون ضوابط الثأر، مما يؤدي إلى نزاع بين العشائر، فساد في القانون الروماني مبدأ العين بالعين، والأنف بالأنف.
وفي مرحلة ثانية كانت المسؤولية المدنية لا تترتب إلا على الأفعال الضارة المنصوص عليها في القانون، دون النظر فيما إذا كانت تتضمن خطأ من جانب مرتكبيها أم لا.
وفي مرحلة ثالثة: تأكد اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، بحيث لا يعتبر الفعل الضار سببا في مسؤولية مرتكبيه إلا أذا أمكن وصفه بأنه خطأ من جانب المسؤول.
وفي المرحلة الرابعة: تبين عدم كفاية الخطا كمعيار وضابط للمسؤولية المدنية خصوصا بعد انتشار استعمال الآلات، وكثرة مخاطرها وتعذر تحديد مصدر الخطأ بين مالكها وصانعها ومستخدمها.
فظهر اتجاهان فقهيان:
الاتجاه الأول: ويرى أصحابه أن من تسبب في الضرر بنشاط يجني ثماره فيجب أن يتحمل تبعته بغض النظر عن وجود الخطأ، بناء على قاعدة الغرم بالغنم، وأن أساس المسؤولية هو تحمل التبعة، فنادوا بالتحول من فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية إلى فكرة الخطر "Risque".
الاتجاه الثاني: وأصحابه يتشبثون بفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ويعارضون الاتجاه الأول، ويرون أن فكرة تحمل التبعة تضع عوائق للإنتاج والنشاط الاقتصادي خوفا من المسؤولية، وهذا يشل روح المبادرة ويضع عقبات في سبيل النمو والتقدم.
والقانون المغربي يقوم على اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، وإن كان قد افترض خطأ المسؤول عن فعل الغير، وفي المسؤولية عن الحيوان والأشياء.
المطلب الثاني: أقسام المسؤولية المدنية.
المسؤولية المدنية هي جزاء الإخلال بالتزام سابق يترتب عنها تعويض عن الضرر الناجم عن إخلال المسؤول بهذا الالتزام.
فإذا كان مصدر هذا الالتزام الإرادة، فالمسؤولية المتولدة عنه عقدية، وإذا كان مصدره القانون فالمسؤولية المتولدة عنه تقصيرية.
وعلى الرغم من مناصرة فريق من الفقهاء لوحدة المسؤولية المدنية، إلا أن معظم التشريعات المعاصرة أخذت بازدواجية المسؤولية، فجلعت من المسؤولية التقصيرية مصدرا للالتزام، واعتبرت المسؤولية العقدية أثرا من آثار العقد الذي تم الإخلال به.
فالمسؤوليتان تختلفان معا في المفهوم وفي الفوارق التي تميزهما.
البند الأول: المسؤولية العقدية.
المسؤولية العقدية هي التي تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على وجه المتفق عليه. كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، أو مسؤولية البائع عن عدم نقل ملكية المبيع إلى المشتري إذا كان يتصرف فيه بعد البيع.
والعقد شريعة المتعاقدين، وعدم الوفاء به يستوجب تعويض، وهذا ما عبر عنه المشرع في الفصل 263 (ق.ل.ع): " يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين ".
البند الثاني: المسؤولية التقصيرية.
المسؤولية التقصيرية هي التي تنشأ عن الإخلال بالواجبات التي يفرضها القانون، كضرورة إحترام حقوق الجوار، وكمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا او يتلف مالا، وكاشتراط القانون عدم الإضرار بالغير، وكل من تسبب في وقوع هذا الضرر إلا ويلزم بأداء التعويض للطرف المضرور.
وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 77 (ق.ل.ع): " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير التزم مرتكبيه بتعويض هذا الضرر ".
البند الثالث: مميزاتهما.
تنتج عن التفريق بين المسؤوليتين فروق كثيرة أهمها:
أولا: التضامن.
لا تضامن في المسؤولية العقدية، إلا إذا اتجهت إليه إرادة المتعاقدين صراحة، وقد أكد المشرع هذه القاعدة في الفصل 164 (ق.ل.ع) الذي جاء فيه: " التضامن بين المدينين لا يفترض، ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو عن القانون، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ".
وفي المسؤولية التقصيرية فإن التضامن ثابت بحكم القانون في حالة تعدد المسؤولين.
ثانيا: الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية.
في المسؤولية العقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، ولايمكن الاتفاق مسبقا على مخالفة قواعد المسؤولية التقصيرية لأن لها علاقة بالنظام العام.
ثالثا: التقادم.
تتقادم دعوى المسؤولية العقدية - كمبدأ عام - بمضي 15 سنة، فيما عدا الاستثناءات الوارد عليها نص خاص، وتتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي 5 سنوات من يوم العلم بالضرر، وفي جميع الأحوال بمضي 20 سنة، (م106 ق.ل.ع).
رابعا: الجمع والخيرة بين المسؤولية العقدية والتقصيرية.
يطرح هذا الإشكال في الحالات التي يتولد فيها عن الفعل الواحد دعويان، إحداهما عقدية، والثانية تقصيرية، كالأضرار الناجمة عن الاخطاء التي تسبب فيها أرباب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والموثقين.
المسألة الأولى: الجمع بين المسؤوليتين.
الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يذهب إلى عدم جواز رفع دعويين، والجمع بين تعويضين عن ضرر واحد.
المسألة الثانية: الخيرة بين المسؤوليتين وفيها اتجاهان.
الاتجاه الأول: أنصار فكرة الخيار.
ولايرون مانعا في تنقل المضرور بين الدعويين العقدية والتقصيرية، على ألا يكون القصد من ذلك الجمع بين تعويضين من أجل ضرر واحد، وينطلق هؤلاء من ضرورة حماية الطرف الضعيف وهو المضرور، وذلك بمنحه أكثر الحظوظ لاستحقاق التعويض خصوصا في الحالات التي يظهر له فيها بأن أحد الدعويين قد سقطت بالتقادم، او أن حجم التعويض المستحق فيها سيكون ضئيلا.
الاتجاه الثاني: خصوم فكرة الخيار.
وينطلقون من أن المسؤولية التقصيرية لا يلتجأ إليها إلا في غياب العقد، والمسؤولية العقدية تتربت عن إخلال بالتزام العقد، والعقد شريعة المتعاقدين. وكل مساس بقواعد المسؤولية العقدية يترتب عنها المساس بمبدأ سلطان الإرادة الذي هو أصل التراضي في ميدان العقود. والقضاء المغربي يميل إلى رفض الخيار بين المسؤوليتين.
المبحث الثالث: علاقة المسؤولية المدنية بقانون الالتزامات والعقود المغربي.
سنخصص هذا المبحث للتعريف بقانون الالتزامات والعقود، نشأته ومضامينه، ومصادر الالتزام من خلاله، وموضع المسؤولية المدنية منها، وأخيرا قانون الالتزامات والعقود ضمن مقررات كلية الحقوق بالجامعة المغربية. المطلب الأول: نشأة ومضمون قانون الالتزامات والعقود.
البند الأول: نشأته. يعتبر قانون الالتزامات والعقود المغربي إرثا موروثا عن الحماية الفرنسية، إذ تم وضعه في فترة حاسمة من تاريخ المغرب، عندما كانت فرنسا في أمس الحاجة إلى المؤسسات القانونية التي تعضد بها سلطانها السياسي، فقد تم وضع هذا القانون بظهير 12 غشت 1913 بالاستناد إلى الفصل الأول من اتفاقية الحماية المبرمة بمدينة فاس في 30 مارس 1912 في عهد السلطان مولاي يوسف. وقانون الالتزامات والعقود يكاد يكون صورة طبق الأصل للمجلة التونسية للالتزامات والعقود التي تم وضعها من قبل الحماية الفرنسية بتونس 1906، وتعتبر مزيجا قانونيا لأحكام الفقه الإسلامي والتشريعات الأوربية. وقد فرض هذا القانون قسرا في بداية القرن العشرين، إلا أن المشرع المغربي قد تقبله طوعا واحتضنه في الفترة الموالية للاستقلال، وهذا ما يفهم من قانون التوحيد والتعريب والمغربة، وكذا المرسوم الملكي الصادرين في 1965. وعلى الرغم من مرور قرابة قرن من الزمن على صدور هذا القانون والعمل به في المغرب، فإنه لم ينله أي تغيير جذري يذكر.
البند الثاني: مضمونه. يحتوي قانون الالتزامات والعقود على 1250 فصلا، بما في ذلك النصوص المكررة والملغاة، وهي موزعة على كتابين اثنين: الكتاب الأول يتناول النظرية العامة للالتزامات ( الالتزامات بوجه عام ). الكتاب الثاني ويتناول العقود المسماة ( العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها ).
أولا: النظرية العامة للالتزامات. وتعتبر هذه النظرية بمثابة التشريع العام لجميع فروع القانون الأخرى، خصوصا تلك التي تفرعت عن قانون الالتزامات والعقود، كالقانون التجاري والاجتماعي والبرحي ... وتظهر أهمية هذه النظرية من كونها قابلة للتطبيق في الميدان المدني باعتبارها أصلا عاما، وفي الميادين الأخرى متى كان هناك فراغ تشريعي بخصوصها، فإن سلطانها ينبسط على فروع القانون جميعا. أما مضمون هذه النظرية فهو الالتزام بصفة عامة منذ نشأته إلى انقضائه، فالالتزام يولد كالشخص الطبيعي، ثم يعيش لفترة معينة قد تطول أو تقصر، ثم ينتهي بأحد الأسباب المؤدية إلى زواله. وقد تناولت هذه النظرية احكام الالتزام في سبعة أقسام، وهي: مصادر الالتزام، وأوصافه، وانتقاله، وآثاره، وبطلانه وإبطاله، وانقضائه، وأخيرا إثباثه. ثانيا: العقود المسماة. اقتصر المشرع المغربي في هذا الكتاب على سرد أحكام أهم العقود التقليدية الشائعة الاستعمال، وخصص لها 12 قسماً، وهي عقد البيع، والمعاوضة، والإجارة والكراء والوديعة، والعارية، والوكالة والإشتراك والغرر، والصلح والكفالة والرهن، والقسم الأخير في مختلف انواع الدائنين. وقد وفق المشرع المغربي في تناول هذه العقود بمنهج اعتمد فيه التمثيل لا الحصر، ذلك أن حصر العقود يفوق طاقة المشرع بسبب ظهور أنماط جديدة إلى حيز الوجود، وتناقص قيمة العقود التقليدية إلى حد يدفع التشريعات الحديثة إلى إسقاطها من مدوناتها المدنية، لتبقى النظرية العامة للالتزامات هي ملجا القضاء ليقتبس منها ماهو صالح للتطبيق على النماذج الجديدة للعقود غير المسماة. وهذا ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي بشكل يمكن في مواكبة مستجدات الواقع، واجتهادات الفقه والقضاء وإغناء الترسانة القانونية المغربية.
المطلب الثاني: مصادر الالتزام والمسؤولية المدنية.
الالتزام رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين، يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. وللالتزام مصادر يترتب عن الإخلال بها مسؤولية مدنية.
البند الأول: مصادر الالتزام في قانون الالتزامات والعقود. يقصد بمصادر الالتزام الأسباب القانونية المباشرة المولدة له، فالتزام المشتري بدفع الثمن إلى البائع مصدره عقد البيع المبرم بين الطرفين، والتزام من ألحق ضررا بغيره بالتعويض عن الضرر، مصدره العمل الضار الذي ارتكبه بحق المضرور. وقد نصت المادة الأولى من (ق.ل.ع) على أن " الالتزامات تنشأ عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة، وعن أشباه العقود، وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم ". فمصادر الالتزام حسب هذا التشريع هي: 1- الاتفاقات (أو العقود). 2- التصريحات المعبرة عن الإرادة (الإرادة المنفردة). 3- أشباه العقود. 4- الجرائم وأشباه الجرائم. وقد انتقد صنيع المشرع المغربي من حيث اعتداده بشبه العقد وشبه الجرم، مصدرين للالتزام، وإغفاله للقانون الذي يمكن أن يكون سببا مباشرا لنشوء الالتزام، لكن التصنيف الأكثر دقة لمصادر الالتزام هو تصنيف الفقه والتشريع لها إلى خمسة وهي: أولا: العقد. ثانيا: الاإرادة المنفردة. ثالثا: الإثراء بلا سبب. رابعا: العمل غير المشروع. خامسا: القانون.
البند الثاني: المسؤولية المدنية وعلاقتها بمصادر الألتزام. إذا أخل أحد بالتزام ترتب على هذا الإخلال مسؤوليته المدنية، وهذه الأخيرة على نوعين: مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية. والمسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بتنفيذ العقد، وهي أثر من آثار العقد الذي تم الإخلال به. وهي مستمدة من العقد كمصدر من مصادر الالتزام. والمسؤولية التقصيرية هي العمل غير المشروع، وهو المصدر الرابع من مصادر الالتزام.
المطلب الثالث: قانون الالتزامات والعقود في المجزوءات الدراسية بكلية الحقوق.
بالرجوع إلى دليل كلية الحقوق بالجامعات المغربية، نجد أن قانون الالتزامات والعقود يحتل مكانة أساسية ضمن المجزوءات المقررة في مختلف فصول تلك الكليات. وقد شغل هذا القانون أربع مجزوءات موزعة على الشكل التالي: المجزوءة الاولى: في النظرية العامة للالتزامات، وتخصص غالبا لدراسة مصادر الالتزام. المجزوءة الثانية: في نظرية العقد، ويدرس ضمنها تعريف العقد وتقسيماته، وتكوين العقد (أركانه)، وبطلان العقد ثم آثاره. المجزوءة الثالثة: في المسؤولية المدنية وتخصص لدراسة المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية. المجزوءة الرابعة: في العقود المسماة، وهي خاصة بدراسة نماذج عقود مسماة، وخصوصا عقد البيع والكراء. وعموما، فإن هذا المنهج المتبع في الدراسات الجامعية منهج انتقائي وليس استقرائي، يركز على تقديم الأهم الممكن من قانون الالتزامات والعقود، ولايحيط بمباحثه، وقد بقي من تلك المباحث في أقسام الالتزام (أوصافه، انتقاله، انقضاؤه، وإثباته). وفي العقود المسماة (عقد الوديعة، والعارية، والوكالة، والرهن ...) واكتفاء الباحثين بدراسة عقدي البيع والكراء مرده إلى أهمية هذين العقدين وشيوعهما وارتباطهما بحياة الناس اليومية في المجتمع. فكل الناس بين بائع ومشتر، وبين مكر ومكتر، وباعتبارهما أيضا بمثابة التشريع العام لبقية العقود الأخرى، فالبيع يرد على رقبة الشيء، والكراء يرد على منفعته، والرقبة والمنفعة هما وجها الانتفاع بالمعقود عليه، ويقاس عليهما ما لم يدرس
للدكتور محمد البوشواري
هـذا الجزء مقتطف من كـتاب ( المسؤولية المدنية )، للدكتور محمد البوشواري
أستاذ بكلية الحقوق ، جامعة إبن زهر ، أكـادير
الطبعة الثانية 2008 ، مطبعة اشرف تاسيلا اكادير، الايداع القانوني: 2008/2306
مـقدمة :
المسؤولية أو الأمانة خاصية من خصائص الإنسان، ميزه الله بها منذ أن خلقه ومنحه عقلا مميزا يدرك الخير والشر،
والقبح والفساد.
قال تعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه
كان ظلوما جهولا "
والأمانة في الآية هي التزامات وتكاليف شرعية عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال الراسيات فخفن من
ثقلها وشدتها وأعرضن عن حملها، وتحملها الإنسان الظالم لنفسه، الجاهل بعواقب الأمور.
والمسؤولية بهذا المعنى هي ما يسميه القانونيون بالمسؤولية الأدبية أو الأخلاقية، وهي المسؤولية التي تشمل علاقة
الإنسان بربه وينفسه وبغيره من الناس.
وفي مقابلها المسؤولية القانونية، وهي التي تربط علاقة الإنسان بغيره من الناس، ومصدر التزاماتها القانون،
وهي تنقسم إلى نوعين: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية .
وهذه الأخيرة هي موضوع هذه الدراسة، وتتفرع إلى نوعين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية
( العمل غير المشروع )، وعليه فإن دراستنا لموضوع المسؤولية المدنية سوف تتناول الفصول الآتية :
فصل تمهيدي في مفهوم المسؤولية وأقسامها وعلاقتها بقانون الإلتزامات والعقود المغربي.
الفصل الأول: المسؤولية التقصيرية ( العمل غير المشروع ).
الفصل الثاني: المسؤولية العقدية.
فـصل تـمهيدي : في مفهوم المسؤولية وأقسامها وعلاقتها بقانون الالتزامات والعقود
إن موضوع المسؤولية له مكانة مرموقة بين موضوعات القانون المدني عموما، وفي مصادر الالتزامات خاصة، لم
تدركها الإنسانية مرة واحدة بل تدرجت في ذلك حقبا زمنية طويلة.
وللوقوف على أهمية موضوع المسؤولية وعلاقته بالقانون المدني سنخصص هذا الفصل للحديث عن مفهوم المسؤولية
وأقسامها عموما، ثم المسؤولية المدنية وتطورها، وأخيرا علاقة هذه المسؤولية بقانون الالتزامات والعقود المغربي.
المبحث الأول: مفهوم المسؤولية وأقسامها.
المسؤولية هي تشخيص لحالة الفرد الذي اقترف أمرا من الأمور يستلزم التبعة والمؤاخذة.
وتختلف نوعيتها باختلاف الأسباب التي أدت إليها والنتائج المتولدة عنها، انطلاقا من ذلك سنعمل على تحديد مفهوم المسؤولية ومشروعيتها ثم أقسامها.
المطلب الأول: مفهوم المسؤولية ومشروعيتها.
أولا: المسؤولية لغة: هي التبعة، ومنه تحمل التبعة، وهو اصطلاح قانوني حديث، يقابله عند فقهاء الإسلام "الضمان"،
ويعني أن الشخص الضامن هو المتحمل لغرم الهلاك أو النقصان أو التعيب إذا طرأ على الشيء.
وقد أطلق الضمان على الالتزام، باعتبار أن ذمة الضامن منشغلة بما ضمن فيلتزم بأدائه.
ومن معاني الضمان عند الفقهاء "الالتزام بتعويض مالي عن ضرر الغير"، واستعمله حل الفقهاء بمعنى تحمل تبعة الهلاك،
وهو المدلول المقصود في قواعدهم "الغرم بالغنم" "والخراج بالضمان".
ثـانيا: تطلق المسؤولية اصطلاحا على عدة معان متقاربة، ومنها:
* المؤاخذة أو المحاسبة على فعل أو سلوك معين.
* الجزاء المترتب عن ترك الواجب، أو فعل ماكان يجب الامتناع عنه.
* تحمل الشخص نتائج وعواقب التقصير الصادر عنه، أو من يتولى رقابته أو الاشراف عليه.
* لكن التعريف الشامل لهذه المعان هو: التزام المسؤول -في حدود القانون- بتعويض الغير النتضرر عن الضرر الذي
أصابه نتيجة مالحقه من تلف مال أو ضياع منافع، أو عن ضرر جزئي أو كلي مادي أو معنوي، حادث النفس.
ثالثا: تستمد المسؤولية أساسها ومشروعيتها من آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة نذكر منها:
- قوله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم".
- وقوله تعالى: "فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ".
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه".
- وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: "لاضرر ولا ضرار".
المطلب الثاني: أقسام المسؤولية.
تنقسم المسؤولية، حسب التعريف السابق، وحسب درجة خطورة الضرر المترتب عن عمل الشخص وطبيعة الجزاء الذي
يوقع على الفاعل إلى مسؤولية أخلاقية ومسؤولية قانونية، وتنقسم المسؤولية القانونية إلى مسؤولية جنائية
ومسؤولية مدنية.
البند الأول: المسؤولية الأخلاقية (الأدبية) والمسؤولية القانونية.
أولا: المسؤولية الأخلاقية، هي التي تترتب عن مخالفة قواعد الأخلاق، فيسأل أمام الله وأمام ضميره، ولايتريب عليها
أي جزاء قانوني.
ولايشترط لقيام هذه المسؤولية حدوث ضرر للغير، بل يكفي أن ينوي الإنسان ويتمنى شرا لغيره حتى تتحقق هذه
المسؤولية.
ثانيا: المسؤولية القانونية:
وهي التي يترتب عليها جزاء قانوني جراء مخالفة واجب من الواجبات الاجتماعية، وهي نوعان مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية.
ثالثا: مميزاتهما:
تتميز المسؤولية الأخلاقية عن المسؤولية القانونية بما يلي:
أ-المسؤولية الأدبية أوسع نطاقا من المسؤولية القانونية، فهي تتصل بعلاقة الإنسان بربه، وبعلاقته بنفسه، وبعلاقته بغيره من الناس.
أما المسؤولية القانونية فتتصل بعلاقة بعلاقة الإنسان مع غيره من الناس فقط.
ب-تتحقق المسؤولية الأدبية بمجرد وجود سوء النية، ولا تتحقق المسؤولية القانونية إلا إذا ألحق ضرر بالغير.
ج-الجزاء في المسؤولية الأدبية ذاتي يتجلى في مسؤولية الإنسان أمام الله وأمام ضميره، والجزاء في المسؤولية القانونية يحدده القانون.
البند الثاني: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية.
أولا: المسؤولية الجنائية، تعني تحمل الشخص لتبعات أفعاله الجنائية المجرمة، بمقتضى نص في القانون كالقتل والسرقة وخيانة الأمانة، وهي تترتب على ارتكاب جريمة من الجرائم، وتؤدي إلى عقاب مرتكب هذه الجريمة.
والجرائم محددة بالقانون وفق مبدأ "لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص".
ثانيا: المسؤولية المدنية:
ويراد بها إلزام المسؤول بأداء تعويض للطرف المضرور في الحالات التي تتوفر شروط هذه المسؤولية، فهي لاتحمل معنى الردع بقدر ماتفيد معنى حبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول.
ثالثا: مميزاتهما:
تتميز المسؤولية الجنائية عن المسؤولية المدنية بمميزات أهمها:
- في الدعوى الجنائية ليس للمضرور أن يتنازل عن الدعوى العمومية لأنها حق للمجتمع الذي تمثله النيابة العامة. في حين أن المضرور له كامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعلق ذلك بمصلحته الشخصية.
- الجزاء المترتب عن الأفعال الجنائية يتمثل في العقوبات الصارمة كالسجن والمصادرة والغرامات، أما الجزاء المدني فينحصر في التعويض.
- النية ركن في المسؤولية الجنائية، ويجب ان يكون لها مظهر خارجي لأن مجرد التصميم لا عقاب عليه، وقد يعاقب الشروع في التنفيذ.
وفي المسؤولية المدنية لاتشترط النية، وسواء كان العمل غير المشروع عمدا أو خطأ فإن الضرر الذي يحدثه يجب أن يعوض كاملا، وأكثر الأخطاء المدنية ترتكب عن طريق الإهمال لا العمد.
- إذا نتج عن الفعل الواحد دعويان إحداهما جنائية والاخرى مدنية، كالضرب والجرح المتسبب في إلحاق الضرر بالمضرور، فإن هذا الأخير له الحق في رفع دعوى المطالب المدنية إلى المحكمة الزجرية في شكل دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية، والعكس غير ممكن، كما له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة إلى المحكمة المدنية.
والعادة جرت برفع الدعوى المدنية امام المحكمة الجنائية لما تملكه هذه الأخيرة من إمكانيات لفض النزاع بسرعة.
- إذا فضل المضرور إقامة دعوى المطالب المدنية بصورة مستقلة امام القضاء المدني تعين على هذا الأخير ألا يفصل في تلك المطالب حتى يتم الفصل في الدعوى العمومية، إعمالا لقاعدة "الجنائي يعقل المدني".
- تتقيد المحكمة المدنية بالحكم الصادر في الدعوى الجنائية من حيث ثبوت الوقائع أو نفيها لا من حيث تكييفها. فقد تحكم المحكمة الجنائية بالبراءة لعدم توفر القصد الجنائي، بينما لايلزم هذا القصد في المسؤولية المدنية.
- لكل من دعوى المسؤولية الجنائية ودعوى المسؤولية المدنية تقادما مستقلا، فحسب الفصل 4(ق.م.ج) فإن الدعوى الجنائية تتقادم بمرور عشرين سنة من يوم اقتراف الجريمة بالنسبة للجنايات، وبخمس سنوات بالنسبة للجنح، وبسنتين بالنسبة للجنح الضبطية.
أما بالنسبة للدعاوي المدنية فإن تقادمها يختلف بحسب ما إذا كانت الدعوى عقدية أو تقصيرية وفقا للفصلين (106 و 387 ق.ل.ع).
المبحث الثاني: المسؤولية المدنية أقسامها وتطورها.
إذا ما أصيب شخص بضرر مادي في جسمه أو ماله، أو معنوي في شعوره، يثار التساؤل حول من يتحمل المسؤولية، هل يتحملها هو، أم يتحملها الغير فيطالبه بالتعويض.
وحدها المسؤولية المدنية هي الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، وتحديد الشروط الواجب توافرها لقيام مسؤولية الغير.
وقد تطورت هذ المسؤولية عبر مراحل تاريخية، وتنقسم إلى قسمين: المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: تطور المسؤولية المدنية.
إن ما وصلت إليه المسؤولية المدنية من تطور في الوقت الحاضر في مختلف الأنظمة القانونية المعاصرة لم يأت دفعة واحدة بل ترسخ عبر مراحل تاريخية متتالية.
تميزت المرحلة الأولى بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية واختلاطهما، فكان جزاء الفعل الضار متروكا للمضرور يثأر بنفسه ممن أوقع به الضرر دون ضوابط الثأر، مما يؤدي إلى نزاع بين العشائر، فساد في القانون الروماني مبدأ العين بالعين، والأنف بالأنف.
وفي مرحلة ثانية كانت المسؤولية المدنية لا تترتب إلا على الأفعال الضارة المنصوص عليها في القانون، دون النظر فيما إذا كانت تتضمن خطأ من جانب مرتكبيها أم لا.
وفي مرحلة ثالثة: تأكد اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، بحيث لا يعتبر الفعل الضار سببا في مسؤولية مرتكبيه إلا أذا أمكن وصفه بأنه خطأ من جانب المسؤول.
وفي المرحلة الرابعة: تبين عدم كفاية الخطا كمعيار وضابط للمسؤولية المدنية خصوصا بعد انتشار استعمال الآلات، وكثرة مخاطرها وتعذر تحديد مصدر الخطأ بين مالكها وصانعها ومستخدمها.
فظهر اتجاهان فقهيان:
الاتجاه الأول: ويرى أصحابه أن من تسبب في الضرر بنشاط يجني ثماره فيجب أن يتحمل تبعته بغض النظر عن وجود الخطأ، بناء على قاعدة الغرم بالغنم، وأن أساس المسؤولية هو تحمل التبعة، فنادوا بالتحول من فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية إلى فكرة الخطر "Risque".
الاتجاه الثاني: وأصحابه يتشبثون بفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ويعارضون الاتجاه الأول، ويرون أن فكرة تحمل التبعة تضع عوائق للإنتاج والنشاط الاقتصادي خوفا من المسؤولية، وهذا يشل روح المبادرة ويضع عقبات في سبيل النمو والتقدم.
والقانون المغربي يقوم على اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، وإن كان قد افترض خطأ المسؤول عن فعل الغير، وفي المسؤولية عن الحيوان والأشياء.
المطلب الثاني: أقسام المسؤولية المدنية.
المسؤولية المدنية هي جزاء الإخلال بالتزام سابق يترتب عنها تعويض عن الضرر الناجم عن إخلال المسؤول بهذا الالتزام.
فإذا كان مصدر هذا الالتزام الإرادة، فالمسؤولية المتولدة عنه عقدية، وإذا كان مصدره القانون فالمسؤولية المتولدة عنه تقصيرية.
وعلى الرغم من مناصرة فريق من الفقهاء لوحدة المسؤولية المدنية، إلا أن معظم التشريعات المعاصرة أخذت بازدواجية المسؤولية، فجلعت من المسؤولية التقصيرية مصدرا للالتزام، واعتبرت المسؤولية العقدية أثرا من آثار العقد الذي تم الإخلال به.
فالمسؤوليتان تختلفان معا في المفهوم وفي الفوارق التي تميزهما.
البند الأول: المسؤولية العقدية.
المسؤولية العقدية هي التي تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على وجه المتفق عليه. كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، أو مسؤولية البائع عن عدم نقل ملكية المبيع إلى المشتري إذا كان يتصرف فيه بعد البيع.
والعقد شريعة المتعاقدين، وعدم الوفاء به يستوجب تعويض، وهذا ما عبر عنه المشرع في الفصل 263 (ق.ل.ع): " يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين ".
البند الثاني: المسؤولية التقصيرية.
المسؤولية التقصيرية هي التي تنشأ عن الإخلال بالواجبات التي يفرضها القانون، كضرورة إحترام حقوق الجوار، وكمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا او يتلف مالا، وكاشتراط القانون عدم الإضرار بالغير، وكل من تسبب في وقوع هذا الضرر إلا ويلزم بأداء التعويض للطرف المضرور.
وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 77 (ق.ل.ع): " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير التزم مرتكبيه بتعويض هذا الضرر ".
البند الثالث: مميزاتهما.
تنتج عن التفريق بين المسؤوليتين فروق كثيرة أهمها:
أولا: التضامن.
لا تضامن في المسؤولية العقدية، إلا إذا اتجهت إليه إرادة المتعاقدين صراحة، وقد أكد المشرع هذه القاعدة في الفصل 164 (ق.ل.ع) الذي جاء فيه: " التضامن بين المدينين لا يفترض، ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو عن القانون، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ".
وفي المسؤولية التقصيرية فإن التضامن ثابت بحكم القانون في حالة تعدد المسؤولين.
ثانيا: الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية.
في المسؤولية العقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، ولايمكن الاتفاق مسبقا على مخالفة قواعد المسؤولية التقصيرية لأن لها علاقة بالنظام العام.
ثالثا: التقادم.
تتقادم دعوى المسؤولية العقدية - كمبدأ عام - بمضي 15 سنة، فيما عدا الاستثناءات الوارد عليها نص خاص، وتتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي 5 سنوات من يوم العلم بالضرر، وفي جميع الأحوال بمضي 20 سنة، (م106 ق.ل.ع).
رابعا: الجمع والخيرة بين المسؤولية العقدية والتقصيرية.
يطرح هذا الإشكال في الحالات التي يتولد فيها عن الفعل الواحد دعويان، إحداهما عقدية، والثانية تقصيرية، كالأضرار الناجمة عن الاخطاء التي تسبب فيها أرباب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والموثقين.
المسألة الأولى: الجمع بين المسؤوليتين.
الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يذهب إلى عدم جواز رفع دعويين، والجمع بين تعويضين عن ضرر واحد.
المسألة الثانية: الخيرة بين المسؤوليتين وفيها اتجاهان.
الاتجاه الأول: أنصار فكرة الخيار.
ولايرون مانعا في تنقل المضرور بين الدعويين العقدية والتقصيرية، على ألا يكون القصد من ذلك الجمع بين تعويضين من أجل ضرر واحد، وينطلق هؤلاء من ضرورة حماية الطرف الضعيف وهو المضرور، وذلك بمنحه أكثر الحظوظ لاستحقاق التعويض خصوصا في الحالات التي يظهر له فيها بأن أحد الدعويين قد سقطت بالتقادم، او أن حجم التعويض المستحق فيها سيكون ضئيلا.
الاتجاه الثاني: خصوم فكرة الخيار.
وينطلقون من أن المسؤولية التقصيرية لا يلتجأ إليها إلا في غياب العقد، والمسؤولية العقدية تتربت عن إخلال بالتزام العقد، والعقد شريعة المتعاقدين. وكل مساس بقواعد المسؤولية العقدية يترتب عنها المساس بمبدأ سلطان الإرادة الذي هو أصل التراضي في ميدان العقود. والقضاء المغربي يميل إلى رفض الخيار بين المسؤوليتين.
المبحث الثالث: علاقة المسؤولية المدنية بقانون الالتزامات والعقود المغربي.
سنخصص هذا المبحث للتعريف بقانون الالتزامات والعقود، نشأته ومضامينه، ومصادر الالتزام من خلاله، وموضع المسؤولية المدنية منها، وأخيرا قانون الالتزامات والعقود ضمن مقررات كلية الحقوق بالجامعة المغربية. المطلب الأول: نشأة ومضمون قانون الالتزامات والعقود.
البند الأول: نشأته. يعتبر قانون الالتزامات والعقود المغربي إرثا موروثا عن الحماية الفرنسية، إذ تم وضعه في فترة حاسمة من تاريخ المغرب، عندما كانت فرنسا في أمس الحاجة إلى المؤسسات القانونية التي تعضد بها سلطانها السياسي، فقد تم وضع هذا القانون بظهير 12 غشت 1913 بالاستناد إلى الفصل الأول من اتفاقية الحماية المبرمة بمدينة فاس في 30 مارس 1912 في عهد السلطان مولاي يوسف. وقانون الالتزامات والعقود يكاد يكون صورة طبق الأصل للمجلة التونسية للالتزامات والعقود التي تم وضعها من قبل الحماية الفرنسية بتونس 1906، وتعتبر مزيجا قانونيا لأحكام الفقه الإسلامي والتشريعات الأوربية. وقد فرض هذا القانون قسرا في بداية القرن العشرين، إلا أن المشرع المغربي قد تقبله طوعا واحتضنه في الفترة الموالية للاستقلال، وهذا ما يفهم من قانون التوحيد والتعريب والمغربة، وكذا المرسوم الملكي الصادرين في 1965. وعلى الرغم من مرور قرابة قرن من الزمن على صدور هذا القانون والعمل به في المغرب، فإنه لم ينله أي تغيير جذري يذكر.
البند الثاني: مضمونه. يحتوي قانون الالتزامات والعقود على 1250 فصلا، بما في ذلك النصوص المكررة والملغاة، وهي موزعة على كتابين اثنين: الكتاب الأول يتناول النظرية العامة للالتزامات ( الالتزامات بوجه عام ). الكتاب الثاني ويتناول العقود المسماة ( العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها ).
أولا: النظرية العامة للالتزامات. وتعتبر هذه النظرية بمثابة التشريع العام لجميع فروع القانون الأخرى، خصوصا تلك التي تفرعت عن قانون الالتزامات والعقود، كالقانون التجاري والاجتماعي والبرحي ... وتظهر أهمية هذه النظرية من كونها قابلة للتطبيق في الميدان المدني باعتبارها أصلا عاما، وفي الميادين الأخرى متى كان هناك فراغ تشريعي بخصوصها، فإن سلطانها ينبسط على فروع القانون جميعا. أما مضمون هذه النظرية فهو الالتزام بصفة عامة منذ نشأته إلى انقضائه، فالالتزام يولد كالشخص الطبيعي، ثم يعيش لفترة معينة قد تطول أو تقصر، ثم ينتهي بأحد الأسباب المؤدية إلى زواله. وقد تناولت هذه النظرية احكام الالتزام في سبعة أقسام، وهي: مصادر الالتزام، وأوصافه، وانتقاله، وآثاره، وبطلانه وإبطاله، وانقضائه، وأخيرا إثباثه. ثانيا: العقود المسماة. اقتصر المشرع المغربي في هذا الكتاب على سرد أحكام أهم العقود التقليدية الشائعة الاستعمال، وخصص لها 12 قسماً، وهي عقد البيع، والمعاوضة، والإجارة والكراء والوديعة، والعارية، والوكالة والإشتراك والغرر، والصلح والكفالة والرهن، والقسم الأخير في مختلف انواع الدائنين. وقد وفق المشرع المغربي في تناول هذه العقود بمنهج اعتمد فيه التمثيل لا الحصر، ذلك أن حصر العقود يفوق طاقة المشرع بسبب ظهور أنماط جديدة إلى حيز الوجود، وتناقص قيمة العقود التقليدية إلى حد يدفع التشريعات الحديثة إلى إسقاطها من مدوناتها المدنية، لتبقى النظرية العامة للالتزامات هي ملجا القضاء ليقتبس منها ماهو صالح للتطبيق على النماذج الجديدة للعقود غير المسماة. وهذا ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي بشكل يمكن في مواكبة مستجدات الواقع، واجتهادات الفقه والقضاء وإغناء الترسانة القانونية المغربية.
المطلب الثاني: مصادر الالتزام والمسؤولية المدنية.
الالتزام رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين، يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. وللالتزام مصادر يترتب عن الإخلال بها مسؤولية مدنية.
البند الأول: مصادر الالتزام في قانون الالتزامات والعقود. يقصد بمصادر الالتزام الأسباب القانونية المباشرة المولدة له، فالتزام المشتري بدفع الثمن إلى البائع مصدره عقد البيع المبرم بين الطرفين، والتزام من ألحق ضررا بغيره بالتعويض عن الضرر، مصدره العمل الضار الذي ارتكبه بحق المضرور. وقد نصت المادة الأولى من (ق.ل.ع) على أن " الالتزامات تنشأ عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة، وعن أشباه العقود، وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم ". فمصادر الالتزام حسب هذا التشريع هي: 1- الاتفاقات (أو العقود). 2- التصريحات المعبرة عن الإرادة (الإرادة المنفردة). 3- أشباه العقود. 4- الجرائم وأشباه الجرائم. وقد انتقد صنيع المشرع المغربي من حيث اعتداده بشبه العقد وشبه الجرم، مصدرين للالتزام، وإغفاله للقانون الذي يمكن أن يكون سببا مباشرا لنشوء الالتزام، لكن التصنيف الأكثر دقة لمصادر الالتزام هو تصنيف الفقه والتشريع لها إلى خمسة وهي: أولا: العقد. ثانيا: الاإرادة المنفردة. ثالثا: الإثراء بلا سبب. رابعا: العمل غير المشروع. خامسا: القانون.
البند الثاني: المسؤولية المدنية وعلاقتها بمصادر الألتزام. إذا أخل أحد بالتزام ترتب على هذا الإخلال مسؤوليته المدنية، وهذه الأخيرة على نوعين: مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية. والمسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بتنفيذ العقد، وهي أثر من آثار العقد الذي تم الإخلال به. وهي مستمدة من العقد كمصدر من مصادر الالتزام. والمسؤولية التقصيرية هي العمل غير المشروع، وهو المصدر الرابع من مصادر الالتزام.
المطلب الثالث: قانون الالتزامات والعقود في المجزوءات الدراسية بكلية الحقوق.
بالرجوع إلى دليل كلية الحقوق بالجامعات المغربية، نجد أن قانون الالتزامات والعقود يحتل مكانة أساسية ضمن المجزوءات المقررة في مختلف فصول تلك الكليات. وقد شغل هذا القانون أربع مجزوءات موزعة على الشكل التالي: المجزوءة الاولى: في النظرية العامة للالتزامات، وتخصص غالبا لدراسة مصادر الالتزام. المجزوءة الثانية: في نظرية العقد، ويدرس ضمنها تعريف العقد وتقسيماته، وتكوين العقد (أركانه)، وبطلان العقد ثم آثاره. المجزوءة الثالثة: في المسؤولية المدنية وتخصص لدراسة المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية. المجزوءة الرابعة: في العقود المسماة، وهي خاصة بدراسة نماذج عقود مسماة، وخصوصا عقد البيع والكراء. وعموما، فإن هذا المنهج المتبع في الدراسات الجامعية منهج انتقائي وليس استقرائي، يركز على تقديم الأهم الممكن من قانون الالتزامات والعقود، ولايحيط بمباحثه، وقد بقي من تلك المباحث في أقسام الالتزام (أوصافه، انتقاله، انقضاؤه، وإثباته). وفي العقود المسماة (عقد الوديعة، والعارية، والوكالة، والرهن ...) واكتفاء الباحثين بدراسة عقدي البيع والكراء مرده إلى أهمية هذين العقدين وشيوعهما وارتباطهما بحياة الناس اليومية في المجتمع. فكل الناس بين بائع ومشتر، وبين مكر ومكتر، وباعتبارهما أيضا بمثابة التشريع العام لبقية العقود الأخرى، فالبيع يرد على رقبة الشيء، والكراء يرد على منفعته، والرقبة والمنفعة هما وجها الانتفاع بالمعقود عليه، ويقاس عليهما ما لم يدرس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق