FSJES AGDAL

fsjes agdal rabat

محدودية الاختصاصات المالية للبرلمان

محدودية الاختصاصات المالية للبرلمان


يعتبر الاختصاص المالي الدعامة الأولى والركيزة الأساسية لنشوء البرلمان لدرجة كان معها البرلمان في عصره الذهبي هو صاحب الاختصاص في المجال المالي. فبداية الاختصاص المالي للبرلمان كانت في بداية ضرورة موافقة البرلمان لتشمل المناقشة والمصادقة على قانون المالية ومخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكل المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، بالإضافة إلى تصويته على القوانين الضريبية وكذلك قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، ويظل اختصاص البرلمان في مجال الرقابة المالية ذا أهمية محورية خاصة أن هدف هذه الرقابة هي الحفاظ على المال العام .
وباعتبار البرلمان الممثل الأسمى للأمة تبرز أهميته واختصاصاته المالية لأنه يعبر عن إرادة الشعب و المواطن المغربي إذن فالبرلمان جدير بممارسة سلطة مالية واسعة.
ويظل الميدان المالي من الناحية الدستورية من اختصاص البرلمان حيث نص الفصل 75 من الدستور " يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب من قبل البرلمان وكذلك طبق الشروط المنصوص عليها في القانون التنظيمي "، لكن الممارسة العملية ربما القانونية قلصت من صلاحيات البرلمان ووضعت له حدود في موضوع قوانين المالية لفائدة السلطة التنفيذية، لدرجة دفعت احد الباحثين المغاربة بالقول بأن وظيفة البرلمان المغربي لا توجد حين نظن وجودها [1].
وفضلا عن ذلك أن الحكومة قد أصبحت تستحوذ بالوظيفة التشريعية خاصة وضع قانون المالية مستغلة بذلك مجموعة من الآليات الدستورية كما أن الاستعمال المستمر لهذه الآليات الدستورية جعلها بمثابة المشرع الرئيسي بينما دور البرلمان كمشرع أصبح يتراجع، وهذا التراجع نتيجة مجموعة من الحدود سواء القانونية أو العملية قلصت من اختصاص البرلمان في المجال المالي .
فما هي إذن تجليات محدودية الاختصاصات المالية للبرلمان ؟
وهل ضمن الدستور الجديد اختصاص البرلمان في المجال المالي ؟ أم تطبق عليه قول الفقيه اليوناني " سولون " عندما سئل عن أفضل الدساتير حيث قال " لأي شعب سيعطى وفي أي زمن " .
ولوضع مقاربة شاملة لهذه الإشكاليات فإننا ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين سنتناول في مبحث أول الحدود القانونية الواردة على الاختصاصات المالية للبرلمان، وسنخصص المبحث الثاني إلى الحدود العملية والواقعية لاختصاصات البرلمان .
وذلك وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : الحدود القانونية للاختصاصات المالية للبرلمان
-المطلب الأول : حدود البرلمان في المجال المالي
الفقرة الآولى:ضيق الحيز الزمني المخصص للمصادقة
الفقرة الثانية : حدود حق الاقتراح والتعديل من حيث المضمون
الفقرة الثالثة : حق الاقتراح والتعديل من حيث المدة الزمنية
-المطلب الثاني : السلطات الواسعة للحكومة في تجاوز الاختصاص المالي للبرلمان
الفقرة الأولى : تأخير تقديم مشروع قانون المالية
الفقرة الثانية : حق التصويت الواحد
الفقرة الثالثة : التصويت بمنح الثقة
-المطلب الثالث :المحدودية البرلمانية في الموافقة على المعاهدات والضرائب والمخططات
الفقرة الأولى : المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
الفقرة الثانية : الضرائب
الفقرة الثالتة : المخططات
المبحث الثاني : التجليات العملية لتراجع الاختصاصات المالية للبرلمان
-المطلب الأول : هيمنة السلطة التنظيمية على المجال المالي
الفقرة الأولى : عوامل الهيمنة
الفقرة الثانية : مدى الهيمنة
-المطلب الثاني : ضعف المعلومات البرلمانية وهيمنة الحكومة
الفقرة الأولى : ثقل المسطرة المالية
الفقرة الثانية : شكلية المناقشة لمشروع قانون المالية
-المطلب الثالث : انعكاسات الحدود القانونية على المنظومة الرقابية للبرلمان
الفقرة الأولى : العوامل الموضوعية لضعف الرقابة المالية للبرلمان
الفقرة الثانية : العوامل الذاتية لضعف الرقابة المالية للبرلمان

المبحث الأول : الحدود القانونية للاختصاص المالية للبرلمان
كان بإمكان البرلمان أن يفعل كل شيء ما عدى أن يحول الرجل إلى امرأة هذه المقولة سادت في القرن 19 في انجلترا التي كانت تستمد أساسها من الاختصاصات الواسعة والشاملة للبرلمان لكن هذا الأمر لم يبقى على إطلاقه خاصة وان جل المبادئ الأنظمة السياسية الكبرى تنبني على مبدأ التوازي بين السلطتين التشريعية التنفيذية لكن الممارسة القانونية والعملية أثبتت من خلال النص والتفعيل أنها تهدف بأساس إلى إضعاف سلطة البرلمان المثالية وأوردت له قيودا ظلت هاجسا يهدده طيلة اعتماد قانون المالية بدءا بالمناقشة مرورا بالمصادفة وقوفا بالتنفيذ .
المطلب الأول : حدود البرلمان في المجال المالي
بالرغم من صفة المراقب السياسي التي يتمتع بها البرلمان في مجال إدارة المال العمومي، والمعترف له بها من الدستور فإنه عمليا يمكن للحكومة أن تتجاوز سلطاته لإجباره على التصويت .
الفقرة الأولى : ضيق الحيز الزمني المخصص للمصادقة
حسب المادة 35 من القانون التنظيمي للمالية رقم 98.7 والمعدل بالقانون التنظيمي رقم [2]14.00 إذا لم يتم في 31 ديسمبر وفقا لأحكام الفصل 75 من الدستور التصويت على قانون مالية السنة أو صدور الأمر بتنفيذه بسبب إحالته على المحكمة الدستورية فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة بقصد الموافقة [3].
إذن يظهر بأن الحكومة لها كامل الصلاحية في تجاوز سلطات البرلمان في المصادقة، إلا أن إضعاف سلطة البرلمان له ما يبرره وذلك من اجل الابتعاد عن الصراع بخصوص القانون المالي إذا ما احتدم سيؤثر على العمل الحكومي كما حدث في الجمهوريتين الثالثة والرابعة بفرنسا[4]، مما خلق اضطرابا في الحياة السياسية، وهكذا ما حدا بواضعي دستور فرنسا 1958 إلى محاولة تفادي هذه المعضلة وذلك بإعادة توزيع الصلاحيات المالية بين البرلمان من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى .
وهذا ما جعل هذه الأخيرة تهيمن على الأخرى في المجال المالي [5].
الفقرة الثانية : حدود حق الاقتراح والتعديل من حيث المضمون
يرفض المشرع من خلال مقتضيات المادة 40 من القانون التنظيمي، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان إذا كان قبولها يؤدي أما إلى تخفيض الموارد العمومية أو الزيادة في تكليف موجود، فإنه لا يقبل إلا المقترحات والتعديلات التي من شانها أما الرفع من حجم موارد الدولة فيما يخص المداخيل، أو التخفيف من تحملات الدولة فيما يخص النفقات[6]، فالتعديلات تهدف إلى تخفيض مورد بتعويضه بمورد آخر أو الزيادة فيه بموجب أن تكون منطقيا مقبولة، أما فيما يخص التحملات فإن كل المقترحات التعديلات التي تهدف إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة فيه فهي غير مقبولة [7].
الفقرة الثالثة : حق الاقتراح والتعديل من حيث المدة الزمنية
من خلال الفصل 83 الذي ينص على أن " لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة حق التعديل وللحكومة بعد افتتاح المناقشة، إذن عندما تقوم اللجن البرلمانية المختصة، بصدد دراسة ومناقشة مشروع قانون المالية ، لأنه بعد افتتاح المناقشة البرلمانية العامة يمكن للحكومة أن تعارض في البث في كل اقتراح أو تعديل لم يعرض من قبل على اللجنة المالية، وإذا كان هذا القيد من شأنه أن يعقلن العمل البرلماني، ويوضح العلاقة بين البرلمان والحكومة، وذلك بغية تفادي العشوائية وسوء التنظيم أثناء المناقشة العامة[8].
المطلب الثاني : السلطات الواسعة للحكومة في تجاوز الاختصاص المالي للبرلمان
تمتلك الحكومة مجموعة من الآليات والسلطات الواسعة التي تمكنها من تجاوز الاختصاص المالي للبرلمان ومن أهم هذه السلطات نجد :
1- تأخير تقديم مشروع قانون المالية
2 - حق التصويت الواحد
3 - التصويت بمنح الثقة
الفقرة الأولى : تأخير تقديم مشروع قانون المالية
إن إيداع مشروع القانون المالي يمر بمجموعة من الإجراءات المسطرية محددة بنص دستوري والقانون التنظيمي للمالية 7.98 وضرورة أن يقدم المشروع في اجل قانوني محدد قبل عرضه على الجلسة العامة قصد المناقشة والتصويت، إلا أن احترام الآجال يثير العديد من المصاعب [9].
فالممارسة العملية أفرزت أن إيداع مشروع قانون المالية في التاريخ المحدد قلما يحترم، وان تاريخ فاتح نونبر هو تاريخ تجاوزته الحكومة بشكل واسع .
وبالرغم من أن المادة 33 من القانون التنظيمي للمالية رقم 98.7 حددت أجالا قصوى للحكومة من اجل الإيداع[10]، إلا أنها لا تنص على أي عقوبة .
هكذا فإن الإيداع المتأخر لمشروع القانون المالي وعدم التنصيص على مساطر قانونية لاستدراك الإيداع المتأخر عند التصويت يطرح عدة ثغرات قانونية، وهذا الأمر يؤسس لهيمنة الحكومة على المجال المالي .
الفقرة الثانية : حق التصويت الواحد
تنص الفقرة الثانية من 75 من الدستور " يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية انجاز المخططات التنموية الإستراتيجية والبرامج متعددة السنوات التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان وعندما يوافق على تلك النفقات يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج ".
كما أن حق التصويت الواحد يجد سنده القانوني في الفقرة الثانية من الفصل 83 من الدستور، يبث المجلس المعروض عليه النص بتصويت واحد في النص المتناقش في كله أو بعضه إذا ما طلبت الحكومة ذلك، مع الاقتصار على التعديلات المقترحة أو المقبولة من قبلها وبإمكان المجلس المعني بالأمر أن يعترض على هذه المسطرة بأغلبية إعفائه [11].
الفقرة الثالثة : التصويت بمنح الثقة
طبقا للمادة 103 من الدستور يطلب رئيس الحكومة التصويت بمنح الثقة بنص صريح فقط من مجلس النواب، وبمعنى أن رئيس الحكومة يربط لدى مجلس النواب تحمل الحكومة مسؤوليتها بتصويت على السياسة العامة أو على نص يطلب الموافقة عليه، وتعتبر مسألة سحب الثقة من أهم الآليات التي يهدد بها البرلمان الحكومة لكن الفصل المذكور ربط سحب الثقة بالأغلبية المطلقة، فكيف يمكن تحصيل هذه الأغلبية ورئيس الحكومة من الحزب الفائز بالأغلبية [12].
المطلب الثالث : المحدودية البرلمانية في الموافقة على المعاهدات والضرائب
الفقرة الأولى : المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
ينص الفصل 55 من الدستور " .......... يوقع الملك على المعاهدات ويصادق عليها، غير انه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد أو التي تهم رسم الحدود ومعاهدات التجارة او تلك التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة ......... إلا بعد الموافقة عليها بقانون وإذا صرحت المحكمة الدستورية، اثر إحالة الأمر عليها من الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو سدس أعضاء المجلس الأول أو ربع أعضاء المجلس ربع أعضاء المجلس الثاني الأمر إليها أن التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف الدستور، فإن المصادقة على هذا الالتزام، لا تقع إلا بعد مراجعة الدستور .
انطلاقا من هذه المقتضيات يلاحظ أن الملك هو من له صفة التوقيع والمصادقة على المعاهدات باستثناء معاهدات السلم والتجارة وتلك التي تهم رسم الحدود، هذا الفصل وسع من اختصاص البرلمان حيث كان الفصل 31 من دستور 1996 حيث أن الفصل 55 حدد اختصاص البرلمان في 5 أنواع من المعاهدات بعدما كان الفصل 31 ينص فقط على المعاهدات التي تلزم مالية الدولة فقط .
ولا تعتبر محدودية البرلمان المغربي في الموافقة على المعاهدات لا تنحصر فقط على تلك التي لا تمس مالية الدولة بل حتى هذا النوع الأخير، تعتريه عوارض النقض من خلال كون هذا الترخيص يكون شكليا .
الفقرة الثانية : الضرائب
ينص الفصل 39 على أن الجميع يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور إلا انه برجوعنا إلى الفصل 71 من الدستور الذي يحدد مجال القانون على سبيل الحصر ومن بينها النظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها طرق تحميلها على عكس دستور 1996 الذي لم يكن يدرج التشريع الضريبي ضمن مجال القانون ( الفصل 48 ) الذي لم يكن يدرج هذا الاختصاص في مجال القانون .
لكن الأمر من الناحية الواقعية فإن الأمر يتعلق بتفويض تشريعي في المجال الضريبي.
وتكمن المحدودية كذلك فيما تنص عليه المادة 5 من مدونة الجمارك التي تعطي الإذن للحكومة في التشريع مكان البرلمان .
الفقرة الثالتة : المخططات

تنص الفقرة التانية من الفصل 75 من الدستور يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية ، انجاز المخططات التنموية الإستراتجية ، والبرامج متعددة السنوات ، التي تعهدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان وعندما يوافق على تلك النفقات، ... وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور.

المبحث الثاني : التجليات العملية لتراجع الاختصاصات المالية للبرلمان
بعد أن تطرقنا في المبحث الأول للحدود القانونية لاختصاصات البرلمان في المجال المالي، هذا المجال الذي يرتبط بما هو قانوني، الذي ينعكس بالأساس لما هو عملي وبالتالي سنتناول انعكاسات الحدود القانونية على المستوى العملي .
المطلب الأول : هيمنة السلطة التنظيمية على المجال المالي
الفقرة الأولى : عوامل الهيمنة
إن من أسباب هيمنة السلطة التنظيمية على المجال المالي راجعة بالأساس إلى دور السلطة التنفيذية بحكم وظائفها فإنها تكون على دراية بالمعرفة التقنية لإدارة الشؤون المالية وتعتبر مشاريعها دقيقة بينما البرلمان ليست لديه الوسائل الضرورية للقيام بوظيفة التشريع المالي، الفصل 89 من الدستور ينص على أن " تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها .... والإدارة موضوعة تحت تصرفها كما أن المستوى الثقافي لأغلبية النواب وقلة وعيهم السياسي يضعف أدائهم، كما أن الإدارة تقوم بمهام الرقابة من خلال الإدارات والمفتشية العامة للمالية التي تتوفر على أجهزة تضم مجموعة من الأطر تمكن وزارة المالية من التصرف داخل الإدارات والمؤسسات العمومية فوجود فئة المراقبين بصفة مستمرة لدى كل وزارة يمكن وزير المالية من اطلاع على خبايا الأمور كما أن ممارسة هذه الرقابة تؤدي إلى هيمنة حقيقية [13].

الفقرة الثانية : مدى الهيمنة
إن إعداد المشاريع وخاصة مشاريع قوانين المالية تعطي للمصالح المالية و الاقتصادية سلطة كبيرة في إعداد قانون المشروع المالي الذي يشكل مظهرا من مظاهر الهيمنة، وبصفة عامة يتم وضع مشروع القانون المالي في الشهر التاسع أو العاشر من كل سنة.
وفي هذا الصدد توجه وزارة المالية لائحة إلى مختلف الوزارات تطلب منها توجيه مختلف الوثائق التي ستشكل ملحقات للمشروع القانون المالي[14]، وإذا كان البرلمان يتقاسم المبادرة التشريعية مع الحكومة فإن دورها ينحصر في المصادقة على مشاريع القوانين وخاصة المالية والضريبية منها التي تصهر الحكومة على صياغتها .
المطلب الثاني : ضعف المعلومات البرلمانية وهيمنة الحكومة
الفقرة الأولى : ثقل المسطرة المالية
لقد أظهرت الممارسة ثقل المسطرة المالية مما يؤدي إلى نقاش ذو أهمية فالمناقشة المالية ما هي إلا تتابع وتصويتات مع نتائج عملية محدودة، كما لو كانت المسألة هي مجرد تكرار عمل ينحصر في مؤاخذات من البعض أو طلبات من البعض الأخر، وكل هذا يتم في إطار شعائر وطقوس مسطرية محددة تؤدي في بعض الأحيان بالبرلمانيين بسبب طول وقتها أو عدم فهم فحواها إلى سبات أو نوم عميق لا توقظه منه سوى عملية التصويت [15].

الفقرة الثانية : شكلية المناقشة لمشروع قانون المالية
إن هذه المناقشة تعتبر ثقيلة جدا، وتسري وفق مسطرة عميقة إلى حد ما ومهجورة سواء من طرف البرلمانيين أنفسهم أو المواطنين ففي كل سنة يخصص له الجزء الأساسي من دورة الخريف، صحيح أن أهمية الميزانية في حياة البلاد تبرر أن تكون مناقشة الميزانية احد اللحظات الكبرى في العمل البرلماني ولكنها أصبحت على مر السنين عملا روتينيا يهم حسب مساطر تجاوزها الوقت لا يهتم بها الرأي العام إلا قليلا، ولا غرابة في ذلك لأن المواطن لا تتضح له العلاقة بين اهتماماته اليومية والاختيارات الهامة والإستراتيجية في مجال المالية العمومية[16] وهي وضعية يؤسف لها ويعتبر الجميع خاسرا فيها، البرلمان والحكومة والمعارضة .
فالبرلمان يخسر اعتماده حيث لم يعد يعتبر كأداة أساسية من شانها مواجهة المشاكل الكبرى للبلد، والحكومة لا يمكنها أن تجسد بشكل ملموس الطابع الجريء لاختياراتها وعملها، أما المعارضة فلا يمكنها أن تسوغ انتقاداتها وحلولها البديلة بشكل واضح وقوي .
ونشهد بذلك نوعا من الروتين الممل، صحيح أن هذه المناقشة تفتح بخطاب لوزير المالية يوضح فيه سياسة الحكومة المالية والأسباب التي حملتها على وضع مشروع الميزانية في الشكل المعروض، ثم يليه المقرر العام للجنة المالية الذي يعلل أسباب التعديلات التي أقرتها اللجنة، ويليه بعد ذلك رئيس لجنة المالية ومتدخلي ممثلي الفرق البرلمانية على أساس أن هذه المرحلة هي المرحلة السياسية للمناقشة العامة لمشروع قانون المالية [17].
المطلب الثالث : انعكاس الحدود القانونية على المنظومة الرقابية للبرلمان
إن الإشكالات التي تطرحها الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان بمناسبة اعتماد وتنفيذ القانون المالي أبرزت في الواقع العملي عجزا واضحا من جانب المؤسسة التشريعية في فرض رقابة حقيقية على الجهاز التنفيذي .
وعليه فإننا سنحاول من خلال هذا المطلب تناول العوامل الموضوعية والذاتية في إضعاف رقابة البرلمان .
الفقرة الأولى : العوامل الموضوعية لضعف الرقابة المالية للبرلمان
كانت مجموعة من العوامل الموضوعية والتي من شأنها أن تنعكس سلبا على سلطة البرلمان في مجال الرقابة المالية وبالتالي إهدار أموال الأمة، ومن جملة هذه العوامل صعوبة تشكيل لجان تقصي الحقائق نظرا لتعقد مسطرة تنفيذ هذا الاختيار تستلزم التوافق الداخلي ذي الطابع السياسي الصرف كما أن القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير لجان تقصي الحقائق رقم 5.95 الصادر سنة 1995 الذي حدد مهام هذه اللجان في الفصل 8 في جميع المعلومات المتعلقة بالوقائع المعهود إليها التقصي في شأنها، وتنتهي مهام هذه اللجنة بمجرد إيداعها لتقرير المكلفة به دون متابعته كما أن طابع السرية يظل مؤثرا على عمل اللجنة ككل [18].
كما أن التأخير الحاصل في إيداع قانون التصفية أمام البرلمان يقلل من أهميته كأسلوب للرقابة يمارسه البرلمان تجاه الحكومة خاصة وانه لا توجد عقوبة زجرية تلزم الحكومة بإيداع مشاريعها في الآجال المحددة قانونيا .
الفقرة الثانية : العوامل الذاتية لضعف الرقابة المالية للبرلمان
تمارس الاعتبارات الحزبية تأثيرات سلبية على الجانب الرقابي من صلاحيات البرلمان عموما، وفي المجال المالي على وجه الخصوص، ومن ذلك ما يجعل من صراع وانشقاقات تنشأ بمناسبة التصويت على مشروع القانون المالي .
بحيث تلجأ الحكومة إلى أغلبيتها داخل البرلمان لتسهيل تمرير مشروعها المالي .
وإذا أضفنا إلى هذا كله قلة كفاءة النواب في مجال التشريع المالي، بل غياب أكثرهم عن جلسات المناقشة العامة وزمن التدخلات الصارم الذي لا يعطي للنواب حرية كبيرة لبسط أفكارهم [19].
وفي ظل هذه الشروط تظل السلطة التشريعية قاصرة عن إقرار توجه رقابي سليم يخدم مبدأ الحفاظ على الأموال العامة، مما يطرح إشكالية موقع الدولة من الديمقراطية وموقع الديمقراطية داخل البرلمان .
خاتمة :
بناء على ما سبق يتبين أن الاختصاص المالي للبرلمان تعتريه بعض النقائص تتمثل بالأساس في محدودية الدور البرلماني في المجال المالي، بحيث تعترضه العديد من العراقيل القانونية والمادية والبشرية في مقابل احتكار الحكومة لآليات و وسائل العمل الضرورية مما انعكس سلبا على مستوى الأداء البرلماني في هذا المجال .
ويبرر مناصروا الامتياز الذي تحظى به الحكومة بأنه في حالة إطلاق العنان للسلطة التشريعية ستعمد إلى تبذير المال العام عن طريق الرفع من النفقات خصوصا الاجتماعية والتقليص من الموارد العمومية ( أي تخفيض الضرائب وإلغاء الرسوم ) وذلك لإرضاء رغبات الناخبين خصوصا عند اقتراب مواعيد الانتخابات، وبعبارة أخرى تحول السياسة المالية للدولة إلى حملة انتخابية دائمة تستغلها الأغلبية البرلمانية لإعادة انتخابها في كل ولاية تشريعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق