المناهج القانونية و الاجتماعية من مطبوع الدكتور بنطلبة
تعريف المنهجالمنهج لغة هو الطريق أو النظام كما يعني الكيفية أو طريقة تعليم شيء معين وفقا لبعض المبادئ بصورة مرتبة ومنظمة .
و في الاصطلاح المنهج هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة الأفكار العديدة إما من أجل الكشف عن الحقيقة حيث نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حيث نكون بها عارفين .
و يعرف الدكتور عبد الرحمان بدوي باعتاباره الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل التي تحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة .ويعرفه قاموس ربيير مجموعة الوسائل و الإجراءات التي يسلكها العقل للكشف و التدليل على الحقيقة في العلوم.
تصنيفات كرافيتيز للمنهج :
*المنهج بالمعنى الفلسفي : مجموعة من القواعد المستقلة عن أي بحث أو مضمون خاص يحيل بالأساس إلى عمليات و أشكال من التفكير تجعل الواقع المراد إدراكه سهل التناول.
*المنهج طريق للتفسير المنهج هو وسيلة لبلوغ جانب من الحقيقة و الجواب بالأساس على سؤال كيف؟
*المنهج المرتبط بمجال بميدان معين :يعد مصطلح المنهج مبررا عندما يرتبط بمجال نوعي و يضم طريقة عمل خاصة به.
اعتمدت كرافيتيز عند تطرقها للغموض الذي يكتنف المنهج باعتباره إحدى أليات المعرفة على الميزة التي تطبعه و هي المساعدة على الفهم الواسع لمسلسل البحث و ليس لفهم نتائج البحث العلمي.أي أن القاسم المشترك بين مختلف تصنيفات لمفهوم المنهج هو الغاية من استخدام المنهج التي هي المساعدة على استيعاب و فهم المسلسل الذي تمر به عملية البحث العلمي.
ثانيا المنهجية في العلوم القانونية :
علم القانون فرع من العلوم الاجتماعية الأخرى ينطبق عليه ما ينطبق عليها من منهاج البحث العلمي مع تخصيص و ملائمة لمتطلبات و خصوصيات العلوم القانونية ,هذه الخصوصية يمكن الحفاظ عليها من خلال التصنيف القائم على ارتباط المنهج بميدان معين و الذي هو في هذه الحالة القانون و بالتالي يحق القول بالمنهجية القانونية.
كما يتم الاستفادة من مزايا المنهج باعتباره طريقة للتفسير .
و منه يمكن تعريف المنهجية القانونية بأنها دراسة للطرق و المناهج التي يجب على رجال القانون اتباعها أثناء عملية البحث ,و كذا عملية تطبيق القانون أو بشكل عام ليتمكنوا من إيجاد حلول لمشاكل قانونية ,و هي غاية لاتدرك فقط بالمعرفة بالقوانين و الأنظمة و الاجتهاد القضائي .
هناك مستويات متعددة تقتضي الإلمام بالمنهجية القانونية منها :
_تطبيق المنهجية في البحوث القانونية.
_دراسة القاعدة القانونية و تتبعها و إيجاد حلول للمشاكل القانونية المطروحة على أرض الواقع.
فصل تمهيدي : مراحل تطور المعرفة الإنسانية و إشكالية الموضوعية في مجال العلوم الإنسانية.
عرف التفكير العلمي مجموعة من المحطات :الخرافي و المثالي و العلمي.
المطلب الأول :مراحل تطور المعرفة الإنسانية.
1_التفكير الخرافي :ارتبط التفكير الخرافي بتقديس زعماء القبائل و الكهنة و السحرة و كل من كان يدعي قدرات خارقة و علاجية.وقد وقفا هذا الفكر عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة حيث عمل على رفض كل المعارف التي لا تتفق معه.
2_العلم من وجهة نظر الاتجاه المثالي .يتميز هذا النوع من التفكير بإيمان الانسان المطلق بالمعتقدات و الديانات و بكونها المصدر الفعلي للمعرفة و أن القائمين على الشأن الديني هم ملاك للحقيقة.فالحقيقة العليا في كل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية كانت من تعتبر من أصل ديني.أبرز رواد هذا الفكر أفلاطون الذي يعتبر الدين علم من العوم و أن العلم هو أعلى درجات المعرفة ,لكنه كان يقصد الشق النظري من العلم و لم يتجه لدراسة الطبيعة و بقي فكره يصبو لما وراء الطبيعة و رغم محاولة تلميذه أرسطو الاقتراب من عالم الطبيعة فقد بقي فكره منحصرا في المثاليات.
هذا المفهوم الذي تميز به العلم في إطار الفكر المثالي الوثني امتد خلال القرون الوسطى في إطار الفكر الديني المسيحي الكنسي. حيث كرست الكنيسة حصر المعرفة و العلم في أبعاد دينية و حصر اهتمامات المفكرين و العلماء في نطاق التأمل الفلسفي حتى في تعاملهم مع مظاهر الطبيعة .فيمكن القول أن الكنيسة ساهمت كثيرا في تكريس الجمود الفكري عن طريق اضطهاد العلماء فانعكس ذلك على الشعوب حيث انتشر الجهل و التخلف و عاشت أوربا مرحلة من أسوء مراحل التاريخ.
3_العلم من وجهة نظر الاتجاه المادي :
التيار المادي يرى أن المعرفة تستمد من الوجود المادي أي من خلال الاتصال المادي بالطبيعة ,فالمعرفة حسب هذا التيار ماهي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العملي .
الاتجاه المادي ينبني على الخطوات التالية:
_أولا لمس المشكلة عن طريق الاتصال بالواقع ,المجتمع أو الطبيعة.
_ثانيا كوضع النظرية لحل الاشكال المطروح.
_ثالثا :تطبيق هذه النظرية على الواقع ,لنعرف مدى توافقها مع الواقع العملي أم لا ,ففي حالة النجاح نكون حققنا معرفة ,و في حالة الفشل نبدأ بصياغة نظرية أخرى و على هذا النمط تتطور المعرفة العلمية في شتى المجالات.
حسب النظرية المادية أي شيء غير متاح للحواس لا يعتبر معرفة و إنما هو خيال ,و على هذا الأساس انتقدت المدرسة المادية الدين.
4_موقف الدين الإسلامي من المدرسة المثالية و المدرسة المادية:
سبب عدواة النظرية المادية للدين هو الممارسة التعسفية للكنيسة على الفكر.
أما الإسلام فقد أعطى للعلم قيمته الحقيقية ,كما أنه وازن بين الطابع المادي للعلم و بين المعتقدات الدينية الغيبية.
المطلب الثاني :إشكالية الموضوعية في مجال العلوم الإنسانية.
العلوم الطبيعية أو العلوم الحقة عرفت تقدما و تطورا كبير ,بخلاف العلوم الإنسانية التي انعكست نشاتها المتأخرة على تطور و تقدمها ,غير أنه ظهور أزمات نفسية و ظواهر اجتماعية جديدة مع التطور السريع و المهول دفعت بالعلوم الإنسانية إلى السعي نحو تحويل الانسان إلى ظاهرة قابلة للدارسة العلمية و الموضوعية.لكن ما يميز الانسان عن الظواهر الطبيعية جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل ابستمولوجية _الابستمولوجيا هي دراسة العلم_.
و للتمكن من الوقوف على بعض الإشكاليات المرتبطة بالعلوم الإنسانية نستعين بالتساؤل التالي :ماهي قدرة العلوم الإنسانية على فهم و تفسير الظواهر الإنسانية ؟
موقف جون بياجي :يرى أنه من الصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لسببين أساسيين :
*السبب الأول العلاقة بين الذات و الموضوع في العلوم الإنسانية تخلق وضعا معقدا ,فالانسان هو الدارس و هو أيضا موضوع الدراسة و يتمخض عن هذا الوضع المتشعب صعوبة استيفاء شرط الموضوعية .
*السبب الثاني :اعتقاد العالم بأنه يملك معرفة قبلية تجعله قادرا على الاستغناء عن التقنيات العلمية .
يرى بيجي أيضا أن الباحثين في العلوم الإنسانية ينطلقون من خلفيات فلسفية و إيديولوجية.
موقف فيلهام دلتاي :ينطلق من تصور منهجي لكل من العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية .
فالعلوم الطبيعية أو العلوم الحقة تنظر إلى موضوعها باعتباره ظاهرة خارجية.أما العلوم الإنسانية فالمناهج التي تدرس بها تختلف عن العلوم الطبيعية فالطبيعة نفسرها و الحياة النفسية نفهمها .فالعلوم الإنسانية تتعامل مع ظاهرة حية كلية لا يمكن تجزيئها كما هو الحال بالنسبة للظواهر الطبيعية القابلة للعزل و الدراسة الخارجية .من تم لابد أن تطور العلوم الإنسانية مناهجها .
و انطلاقا من هذا التصور الفلسفي الأخير فالعلوم الإنسانية تفترض أن تكون الذات هي نفسها الموضوع المدروس ,علاوة على ذلك فالعالم يعتبر طرفا و حكما في وقت واحد ,غير أن ذلك لايجب أن يؤثر في النظرة إلى القيمة العلمية لهذه الأمور.فالغاية الابستمولوجية من إبراز التداخل بين الذات و الموضوع يتحدد في تحديد الشروط المنهجية التي يجب اعتمادها.نفس الإشكاليات تعرفها الفيزياء المعاصرة مما جعلها تأخذ بعين الاعتبار تدخل الملاحظ في بناء الظاهرة.و هذا يؤكد غياب القطيعة بين العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية.
موقف ميرلوبونتي:يرى أنه لا يجب النظر إلى الإنسان باعتباره موضوعا للعلوم الطبيعية أو الإنسانية ,فالذات ذات هي المصدر الحقيقي للعالم المادي ,فلولا وجود الذات لما كان للعالم أبعاد و جهات ,و من ثمة فالواقع يوجد انطلاقا من الذات و من أجلها.فمصدر المعرفة الإنسانية هو تفاعل الذات مع العالم من خلال التجربة التي تعيشها هذه الذات .
للخروج من هذا الإشكال العلمي يمكن أن نقول أن وجود العلوم الطبيعية ساعد العلوم الإنسانية على تطوير نفسها و البحث عن مناهج تميزها .و مسألة الموضوعية المطروحة ليست تشكيكا في قيمة هذه العلوم و إنما يتعلق الأمر بنقاش ابستمولوجي يمكنه إغناء العلوم اللإنسانية و دفعها لتوخي الدقة من خلال إدارك خصوصيات الموضوع المدروس ,لأن جميع الصعوبات تتمثل في طبيعة الظاهرة الإنسانية كظاهرة معقدة و متغيرة وواعية.
المحور الأول :ماهية مناهج البحث العلمي و تصنيف المناهج.
المبحث الأول :مفهوم علم المناهج.
عمل الفلاسفة الغربيون على تأسيس علم المناهج كعلم مستقل قائم بذاته له أسسه و مبادئه و اهم ما يميزه هو أن كل العلوم تسعى للتقرب منه باعتباره المحدد الأول لأي معرفة من المعارف .كما أن العلوم الإنيانية تفتخر بعلميتها كلما نجحت في تطبيق المناهج العلمية داخل مجالها.
المطلب الأول :تعريف علم المناهج .
علم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي و الطرق العلمية التي يكتشفها و يستخدمها العلماء و الباحثون من أجل الوصول للحقيقة. و قد استخدمت كلمة علم المنهجية أو علم المناهج لأول مرة على يد الفيلسوف كانت عندما قسم المنطق إلى قسمين هما :
مذهب المبادئ :الذي يبحث في الشروط و الطرق الصحيحة للحصول على المعرفة .
مذهب المناهج :الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم و تحديد الطريقة التي يتكون بها كل علم من العلوم.
المطلب الثاني :تكوين علم المناهج.
لإشكالية المطروحة :هل يتم تكوين علم المناهج بواسطة رجال المنطق و الفلاسفة مسبقا ,يضعونه في صورة مبادئ و قواعد علمية ,بعد ذلك يجب على الباحث و العالم المتخصص أن يلتزم به و يسير على هديه,عند القيام بأبحاثه العلمية ؟ام أن الأمر يعود إلى الباحث و العالم المتخصص؟
موقف كلود برنار في كتابه المدخل لدراسة الطب التجريبي ,قرر أن المناهج لايمكن ان تدرس نظريا كقوانين نظرية فهي تتكون داخل ميدان البحث و العمل ,فالباحث لايجب أن يتقيد بمنهج و مذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية.
الدكتور عبد الرحمان بدوي :يرى ضرورة و حتمية تكامل و تعاون و تساند كل من العالم المتخصص و الفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج و علم المناهج.
ما أجمع عليه العلماء أن عملية تكوين مناهج البحث العلمي و علم المناهج عملية يشترك فيها العالم المختصص و الفيلسوف المنطقي بصورة تكامل و تساند و تعاون.فالعالم المتخصص يقوم في المرحلة الأولى ببيان المنهج الذي اكتشفه و اتبعه في بحوثه و دراسته الدراسة العلمية المتخصصة في إطار علم من العلوم ,ثم يقدم تقريرا أو أطروحة أو مقالا عن ذلك,ثم يأتي عالم اخر أوسع علما و أفقا ,و ذو عقلية تأملية شمولية و عامة ,ليقوم بعملية المراقبة و التنسيق بين التقارير و النتائج التي توصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.
و منه نصل أن كافة المناهج العلمية صالحة لكافة العلوم و ليس هناك تخصيص للمناهج.و يمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد في نطاق علم واحد هذا من شأنه منح بحث علمي كامل و شامل و ذو براهين قوية.
المطلب الثالث :مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.
لم يقبل العلماء فكرة تطبيق المنهج العلمي على العلوم الإنسانية بسهولة نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة في :
_الظواهر الإنسانية معقدة و متشابكة .
_الظواهر الإنسانية حركية و سريعة التغيير و التفاعل.
_فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية الإنسانية.
_صعوبة استخدام الظاهرة الإنسانية في المختبر العلمي.
_غياب الموضوعية عند دراسة الظاهرة الإنسانية.
من أجل تذليل هذه الصعوبات التي تعيق إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي طرح علماء العلوم الإنسانية قاعدتين هما:
_اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء عند دراستها فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة بالتالي تصبح الظواهر الاجتماعية قابلة للإدراك خارج ذاتية الباحث.
_استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك دعا إميل دور كايم إلى عزل الظواهر الاجتماعية عن فكر وجعلها كيانا قائما بذاته خارج مجال التأثير على الباحث.
المبحث الثاني :تصنيف مناهج البحث العلمي .
الفرع الأول :التصنيف التقليدي لمناهج البحث العلمي.
تم تصنيف مناهج البحث العلمي إلى عدة تصنيفات منها :
التصنيف الأول :المنهج التحليلي ,المنهج التركيبي ,المنهج التحليلي الاكتشافي أو منهج الاختراع (هدفه اكتشاف و اختراع الحقائق بهدف تعليمها و نشرها للاخرين),المنهج التركيبي أو التأليفي (هدفه تركيب و تأليف الحقائق).
مايعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط و لايشمل القوانين و الظواهر ,كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم و المعرفة.
التصنيف الثاني :*المنهج التلقائي (و هو المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق للأساليب و القواعد). *المنهج العقلي التأملي (هو المنهج الذي يسير فيه العقل و الفكر في نطاق أصول و قواعد منظمة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة)
هذا التصنيف يعاب عليه تحدثه عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة و الشروط العقلية العلمية و ليس مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول و قوانين.
الفرع الثاني :التصنيف الحديث لمناهج البحث العلمي.
_تصنيف ويتني :رتب الفقيه ويتني المناهج العلمية على النحو التالي:المنهج الوصفي ,المنهج التاريخي,المنهج التجريبي,البحث الفلسفي,البحث التنبؤي,البحث الاجتماعي ,البحث الإبداعي.
_تصنيف ماكيز :المنهج الانتروبولوجي ,المنهج الفلسفي ,منهج دراسة الحالة ,المنهج التاريخي ,منهج المسح ,المنهج التجريبي.
ما يلاحظ على هذه التصنيفات أن أصحابها بالغوا في تحديد مناهج البحث العلمي ,فقد أقحموا بعض أنواع البحوث العلمية و طرق الحصول على المعرفة و الثقافة.و كذا بعض أجزاء المناهج الأصيلة.
لكن هناك مناهج أصلية و أخرى فرعية متفق عليها من طرف علماء علم المناهج و هي :
المناهج الأصلية:المنهج الاستدلالي_النهج التاريخي _ المنهج التجريبي_المنهج الجدلي.
المناهج الفرعية :هي التي لم يتفق العلماء على اعتبارها أصلية وهي :المنهج الوصفي _المنهج الإحصائي _المنهج التحليلي _المنهج المقارن...
المبحث الثالث :المناهج العلمية الأصلية و الفرعية
الفرع الأول:المناهج العلمية الأصلية أو الأساسية :
المطلب الأول :المنهج الاستقرائي الاستنباطي
الفقرة الأولى :المنهج الاستقرائي.
المنهج الاستقرائي هو عملية ملاحظة الظواهر و تجميع البيانات عنها للتوصل إلى مبادئ عامة و علاقات كلية .و ينبني على فكرة أساسية مفادها أن الباحث ينتقل أثناء تحليله لموضوع البحث من فكرة الجزء إلى الكل و من الخاص إلى العام ,حيث يبدأ بالتعرف على الجزئيات ثم يقوم بتعميم النتائج على الكل.
و عمل أرسطو على تقسيم الاستقراء إلى نوعين :
_استقراء الكامل :هو استقراء يقيني يقوم على ملاحظة جميع أجزاء الظاهرة موضوع البحث ,لإصدار الحكم الكلي على مجموع الظاهرة المدروسة.
_الاستقراء الناقص:هو استقراء غير يقيني حيث يقوم الباحث بدراسة بعض أجزاء الظاهرة ,دراسة شاملة ,ثم يقوم بتعميم النتائج على الكل .
الفقرة الثانية المنهج الاستنباطي.
يعمل الباحث في المنهج الاستنباطي من فكرة أساسها أن الباحث ينتقل في تحليله لموضوع البحث من الكل إلى الجزء أو من العام إلى الخاص .
بسبب الانتقادات الموجهة لأسلوبي المنهجين الاستنباطي و الاستقرائي حول دقة نتائجهما ,استلزم الامر المزج بينهما للوصول إلى العلم و المعرفة الدقيقة و هذا الأسلوب الجديد سمي بالمنهج العلمي الحديث .
المطلب الثاني :المنهج الاستدلالي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية.
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج الاستدلالي:
الاستدلال هو البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها و يسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة ,دون الالتجاء إلى التجربة و هذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب.
المجال الأصلي لتطبيق الاستدلال هو الرياضيات لكنه في سائر العلوم الأخرى.
1.مبادئ الاستدلال:
قد قسم رجال المنطق القدماء مبادئ الاستدلال إلى: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.
أ ـ البديهيات:البديهية هي قضية بينة بنفسها, وليس من الممكن البرهنة عليها, فهي صادقة بلا برهان..
ب ـ المسلمات:المسلمات أقل يقينية من البديهيات, , ولكن يصادق على صحتها ويسلم بها تسليما, بالرغم من عدم بيانها بوضوح للعقل, ولكن نظرا لفائدتها المتمثلة في إمكانية استنتاج منها العديد من النتائج دون الوقوع في تناقض..
ج ـ التعريفات:يراد بها ,التعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة ,يجمع من خلاله كل صفات الشيء و يمنع دخول صفة أو خصائص خارجة عنه حيث يصبح التعريف جامعا مانعا.
أدوات الاستدلال:
أ_البرهان :و هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة ـ ب_القياس:وهو عملية أو قضية عقلية منطقية، تنطلق من مقدمات مسلم بها, إلى نتائج غير مضمون صحتها. .
ج ـ التجريب العقلي:هو قيام الباحث داخل عقله بكل الفروض و التجارب التي يعجز عن القيام بها في الخارج.
الفقرة الثانية :نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
المنهج الاستدلالي يعد من بين المناهج الأساسية التي تعتمد عليها الدراسات القانونية ,على وجه الخصوص مجل القضاء و التشريع من خلال استخدام أدوات القياس لحل النزاعات و التوصل إلى نتائج صائبة.
المطلب الثاني :المنهج التاريخي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية:
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج التاريخي.
عرف المنهج التاريخي عدة تعريفات عامة وخاصة, منها التعريف العام الذي يقرر صاحبه أنه: " الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية, كأساس لفهم المشاكل المعاصرة, والتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل."( )
ومنها التعريف التالي الذي يتميز بنوع من الدقة: " هو وضع الأدلة المأخوذة من الوثائق والمسجلات مع بعضها بطريقة منطقية, والاعتماد على هذه الأدلة في تكوين النتائج التي تؤدي إلى حقائق جديدة, وتقدم تعميمات سليمة عن الأحداث الماضية أو الحاضرة أو على الدوافع والصفات الإنسانية ."( ).
ويمكننا القول أن المنهج التاريخي هو منهج بحث علمي, يقوم بالبحث والكشف عن الحقائق التاريخية, من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية المسجلة في الوثائق والأدلة التاريخية, وإعطاء تفسيرات وتنبؤات علمية عامة في صورة نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا.
1 ـ اختيار الموضوع تحديد المشكلة العلمية التاريخية:
أي تحديد المشكلة أو الفكرة العلمية التاريخية التي تقوم حولها التساؤلات والاستفسارات التاريخية, الأمر الذي يؤدي إلى تحريك عملية البحث التاريخي, لاستخراج فرضيات علمية تكّون الإجابة الصحيحة والثابتة لهذه التساؤلات.
2ـ جمع وحصر الوثائق التاريخية:
بعد عملية تحديد المشكلة, تأتي مرحلة جمع كافة الحقائق والوقائع المتعلقة بالمشكلة, وذلك عن طريق حصر وجمع كافة المصادر والوثائق والآثار والتسجيلات المتصلة بعناصر المشكلة, ودراسة وتحليل هذه الوثائق بطريقة علمية للتأكد من صحتها وسلامة مضمونها( ).
ونظرا لأهمية وحيوية هذه المرحلة أطلق البعض على المنهج التاريخي اسم " منهج الوثائق", فالوثائق التاريخية هي جوهر المنهج التاريخي .
والوثيقة في اللغة الأداة والبينة المكتوبة الصحيحة والقاطعة في الإثبات.
أما في الاصطلاح فهي: "جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء.
والوثائق أوسع من النص المكتوب, حيث تشمل كافة الوثائق والمصادر والأدلة والشواهد التاريخية, أصيلة وأولية, أو ثانوية وتكميلية, مكتوبة أو غير مكتوبة, رسمية أو غير رسمية, مادية أو غير مادية, والتي تتضمن تسجيلا لحوادث ووقائع تاريخية, أو لبعض أجزائها وعناصرها, يعتمد عليها في البحث والتجريب للوصول إلى الحقيقة التاريخية المتعلقة بالمشكلة محل الدراسة والبحث.
3 ـ نقد الوثائق التاريخية:
بعد عملية حصر وجمع الوثائق التاريخية, تأتي مرحلة فحص وتحليل هذه الوثائق, تحليلا علميا دقيقا, عن طريق استخدام كافة أنواع الاستدلالات والتجريب, للتأكد من مدى أصالة وهوية وصدق هذه الوثائق.
وتعرف عملية التقييم والفحص والتحليل هذه, بعملية النقـد, وهذا النقد قد يكون نقدا خارجيا وقد يكون نقدا داخليا.
ـ النقد الخارجي للوثائق التاريخية: يستهدف هذا النقد التعرف على هوية وأصالة الوثيقة, والتأكد من مدى صحتها, وتحديد زمان ومكان وشخصية المؤلف للوثيقة, وكذا ترميم أصلها إذا طرأت عليها تغيرات, وإعادتها إلى حالتها الأولى.
ـ النقد الداخلي للوثائق التاريخية: وتتم عن طريق تحليل وتفسير النص التاريخي والمادة التاريخية, وهو ما يعرف بالنقد الداخلي الإيجابي, وبواسطة إثبات مدى أمانة وصدق الكاتب ودقة معلوماته.
الفقرة الثانية:تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية:
المنهج التاريخي يقوم بدور حيوي في مجال الدراسات القانونية ,التي تتمحور حول الوقائع والأحداث.فبواسطة المنهج التاريخي يمكن معرفة الحقائق العلمية التاريخية عن أصل و أساس و غاية القانون ,في كافة راحل و عصور التاريخ الإنساني و ذلك بطريقة علمية صحيحة.و تزداد أهمية هذا المنهج في الدراسة القانونية عندما نعلم أن معظم الأفكار و الدراسات و الأبحاث القانونية ترجع في أصول و جذور أبحاثها إلى المنهج التاريخي.
المطلب الثالث :المنهج التجريبي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج التجريبي .
المنهج التجريبي هو تغيير متعمد و مضبوط وفق الشروط المحددة لواقعة معينة ,و ملاحظة التغييرات الناتجة في هذه الواقعة ذاتها و تفسيرها .فهو يقوم أساسا على أسلوب التجربة العلمية ,حيث تكشف عن العلاقات السببية بين المتغيرات المختلفة,و تتفاعل مع القوى التي تحدث في الموقف التجريبي.
-مميزات المنهج التجريبي:
*أنه أقرب المناهج للطريقة العلمية.
*أنه منهج علمي خارجي حيث يعتمد على التجربة الخارجة عن العقل.
*أنه منهج موضوعي ,أي النتائج المتحصل عليها معن طريق التجربة تفرض نفسها على العقل حتى و إن كانت تتعارض مع رغبة الباحث و ميوله النفسي.
الفقرة الثانية :أسس المنهج التجريبي و مراحله.
ينبني المنهج التجريبي على ثلاث مقومات أساسية هي الملاحظة ,الفرضية العلمية ,و التجربة.
1-الملاحظة أو المشاهدة العلمية :الملاحظة العلمية هي الخطوة الأولى في البحث العلمي ,و هي المحرك الأساسي لبقية العناصر.
والملاحظة بالمعنى العام هي الانتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة دون قصد.أما الملاحظة العلمية فهي المشاهدة الحسية المقصودة و المنظمة و الدقيقة ,للحوادث و الأشياء و الظواهر ,بغية اكتشاف أسبابها و قوانينها و نظرياتها.
شروط الملاحظة العلمية:
_يجب أن تكون الملاحظة كاملة أي يجب على الباحث أنم يلاحظ كافة العناصر التي لها صلة بالموضوع أو الظاهرة.
_يجب أن تكون الملاحظة العلمية ,نزيهة و موضوعية و مجردة و لا تتأثر بفرضيات و أحاسيس سابقة.
_يجب أن يكون الملاحظ مؤهلا و قادرا و مختصا و عالما.
2-الفرضية العلمية :الفرضية لغة هي التخمين أو الاستنتاج .و اصطلاحا تعني التفسير المؤقت لوقائع و ظواهر معينة لا تزال بمعزل عن الامتحان ,و بعد امتحانها ,تصبح قوانين تفسر الظاهرة.
3-التجربة:بعد عملية إنشاء الفرضية تأتي عملية التجربة على الفرضيات لإثبات مدى سلامتها و صحتها.
الفقرة الثالثة :نطاق تطبيق المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية.
طبق المنهج التجريبي في العديد من الدراسات القانونية ,حيث برز دلك في مجالات قانونية عديدة منها مثلا :علاقة القانون بالبيئة الاجتماعية _علاقة القانون بالسلطة و القانون.كما ازدهر استخدام المنهج التجريبي في مجال العلوم الجنائية بعدما تم اكتشاف حتمية العلاقة و التكامل بين العلوم الجنائية و علم النفس الجنائي ,و علم الاجتماع القانوني و علم الطب النفسي وعلم الطب العيادي و علم الوراثة.
أكثر فروع العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي هو قانون المسطرة الجنائية و قانون التنظيم القضائي و القانون الجنائي و القانون الإداري ,نظرا لطبيعتهم الخاصة و ارتباطهم بالواقع.
المطلب الرابع :المنهج الجدلي الديليكتيكي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية.
الفقرة الأولى التعريف بالمنهج الجدلي:
يقوم المنهج الجدلي على أساس فكرة تقول أن كل الأشياء و الظواهر و العمليات و الحقائق الطبيعية ,و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية هي دائما في حالات ترابط و تشابك و تداخل و دائما في حالات صراع و تناقض .و هو منهج قديم من عهد الإغريق في فلسفته و أسسه ,و تم بناؤه كمنهج علمي لدراسة و تحليل الحقائق و الأشياء و الظواهر و العمليات حديثا على يد الفيلسوف الأماني هيجل الذي اكتشف قوانين هذا المنهج المتمثلة في قانون تحول التبادلات الكمية إلى نوعية ,و قانون وحدة وصراع الأضداد,و قانون نفي النفي.غير أن الفيلسوف فورباخ انتقد النزعة المثالية عند هيجل و نادى بضرورة اتسام و اتصاف الدياليكتيك بالنزعة المادية كي يصبح موضوعيا و واقعيا و علميا.وبعد ذلك قام كارل ماركس بإعادة صياغة الدياليكتيك صيغة مادية علمية عملة حيث أبقى على كل نظرياتها و أسسها إلا أنه نزع منها الطبيعة المثالية.
و يتميز المنهج الجدلي بخصائص أساسية تتمثل في :
*هو منهج علمي موضوعي .
*هو منهج عام و شامل يكشف معرفة و تعريف كافة الظواهر و العمليات العلمية ,النظرية و الطبيعية و الاجتماعية و السياسية و التنظيمية .
الفقرة الثانية :تطبيق المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية.
في مجال العلوم القانونية قام المنهج الجدلي بدور كبير في اكتشاف و تفسير النظريات و القوانين العلمية و التنبؤ بها ,مثلا القوانين المتعلقة بتفسير أصل و غاية الدولة و أصل و غاية القانون.كما استخدم ماركس هذا المنهج في الكشف و التفسير ظاهرة الثورة و ظهور دولة البروليتاريا و التفسير المادي الاقتصادي للتاريخ.
الفرع الثاني :المناهج العلمية الفرعية
طرح نقاش فكري حول مسألة المناهج العلمية هل كلها أصلية أم هناك مناهج علمية فرعية؟وحول هذا السؤال هناك من يعتبر المنهج الوصفي و المنهج المقارن و المنهج الإحصائي مجرد أدوات بحث ,لأنها لاترقى إلى درجة المنهج العملي .
المطلب الأول :المنهج الوصفي و دوره في الدراسات القانونية.
يتعدى المنهج الوصفى مجرد وصف الظاهرة إلى تحليل البيانات و استخراج الاستنتاجات ذات الدلالة و المغزى بالنسبة لمشكلة البحث.
و يعتمد المنهج الوصفي على مناهج فرعية تتمثل في المنهج المسحي ونهج دراسة الحالة و المنهج المقارن.
الفقرة الأولى :المنهج المسحي ودوره في الدراسات القانونية القانونية.
عرفه وينتي بأنه محاولة منظمة لتحليل و تأويل الوضع الراهن لنظام اجتماعي.
و عرفه مورس بأنه منهج لتحليل و دراسة موقف أو مشكلة و ذلك باتباع طريقة عملية منظمة.
المسح يكون دائما لدراسة موضوع ما في الحاضر.
مراحل المسح هي :مرحلة تعريف البيئة و بيان حدودها ,و مرحلة الوصف الدقيق و مرحلة التحليل و إيجاد العلاقة السببية بين مختلف العوامل المختلفة.
هناك عدة أنواع من المناهج المسحية منها :المسوح الوصفية_ المسوح التفسيرية _المسوح الشاملة _المسوح بالعينة.و هناك المسوح العامة و المسوح المختصة.
أول من استخدم المنهج المسحي في العلوم القانونية هو جون هوارد حيث قام بمسح اجتماعي للوقوف على حالة المسجونين و قدم نتائج البحث لمجلس العموم البريطاني ,الذي أصدر تشريعات ترمي لإصلاح السجون و حالة المسجونين في إنجلترا.
الفقرة الثالثة :منهج دراسة الحالة و دوره في الدراسات القانونية.
دراسة الحالة تتناول الموضوع عموديا ,عكس الدراسة المسحية التي تتناوله أفقيا.لدراسة الحالة نتبع الخطوات التالية:_تصميم العينة من خلال تحديد الحالة المراد دراستها ._ثم مرحلة دراسة العينة و تتم عن طريق التاريخ الشخصي للحالة(الوقوف عند كل الحوادث التي مرت بالمبحوث من جهة نظره ,و يتم ذلك بالإطلاع على مذكراته الشخصية التي كتبها بنفسه ) ,و تاريخ الحالة(تحصيل المعلومات عن المحيط الذي تعيش فيه تلك الحالة ,كالأسرة و المدرسة و مكان العمل ...)
الإجراءات المتبعة في دارسة الحالة هي المقابلة الشخصية _الملاحظة المعمقة_دراسة الوثائق و السجلات المكتوبة لتسجيل كل المعلومات عن الحالة المدروسة.
يطبق منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية على وجه الخصوص في العلوم الجنائية .مثلا لمعرفة الدوافع الإجرامية ,يجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل بناء نظريات جديدة تفسر السلوك الإجرامي.
الفقرة الثالثة :المنهج المقارن و دوره في الدراسات القانونية :
المقارنة لا تتم إلا بين شيئين متماثلين و لا يمكن أن يكونا متناقضين.
المنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه الشبه و الاختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر.
استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية حل محل التجربة المستخدمة في العلوم الطبيعية .و عليه فالدراسات القانونية لا تخلو من المنهج المقارن و ذلك أن النظام القانوني ,لا يمكن اكتشاف ما فيه من نقص و فراغ ...إلا من خلال مقارنته بنظم قانونية لدول أخرى.
المطلب الثاني المنهج الإحصائي و دوره في الدراسات القانونية.
حاول الكثير من المفكرين جعل المنهج الإحصائي علما له قواعد و قوانين .لكن الرأي العلمي الحديث جعل الإحصاء أداة للقياس و منهجا للبحث يعتمد على الملاحظة ,و جمع البيانات و مقارنتها و تفسيرها.
مميزات المنهج الإحصائي:
*يعتبر وسيلة جيدة للتجرد من الذاتية و فهو يقربنا من النتائج الحقيقية العلمية بطريقة موضوعية.
*يقدم نتائج البحث بصورة كمية تعبر بشكل دقيق عن الظاهرة المدروسة.
يمر المنهج الاحصائي بالمراحل التالية :_تحديد المشكلة موضوع البحث._جمع البيانات الإحصائية من المجتمع._ترجمة البيانات في شكل جداول و منحنيات بيانية._تصنيف البيانات_تحليل البيانات._استخلاص النتائج القابلة للتعميم.
دور هذا العلم في مجال الدراسات القانونية هو توفير أدوات رياضية للباحث يستطيع من خلالها ترجمة و تحويل العبارات الفضفاضة إلى أرقام دقيقة ,تعكس نتائج البحث و تضفي عليه طابع الدقة و العلمية.
المحور الثاني :منهجية إعداد البحوث العلمية القانونية.
الفصل الأول :المفاهيم الأساسية للبحث العلمي .
المبحث الأول :ماهية البحث العلمي:
المطلب الأول :تحديد و ضبط مفهوم البحث العلمي .
الفقرة الأولى :العلم و المعرفة.
عرف الفقهاء العلم بأنه نشاط يهدف إلى وزيادة قدرة الإنسان على السيطرة على الطبيعة .فهو نشاط إنساني موجه إلى وصف الظواهر التي يدرسها و يصنفها إلى أنواع مختلفة .و لايقتصر العلم على وصف الظواهر ,بل يهدف أيضا إلى اكتشاف العلاقات بين الظواهر المختلفة ,و يهدف أيضا إلى التنبؤ بالمستقبل و تقديم التوصيات ,و حل المشكلات بناء على الأسلوب العلمي المنطقي التحليلي.
و العلم أحد فروع المعرفة .و المعرفة نوعان :
_معرفة عامة :تحصل من خلال المشاهدة و التعامل اليومي.
_معرفة خاصة :عملية دقيقة لاتستند إلى الحدس و الاحتكاك فقط ,بل أيضا عن طريق التعلم و التحليل المنهجي و الشامل للموضوع محل الدراسة.
الفقرة الثانية:تعريف البحث العلمي.
البحث في اللغة هو التفتيش و التقصي عن الحقيقة. و في الجانب الاصطلاحي له عدة تعريفات منها:
_البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب و مناهج علمية محددة للحقائق العلمية بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها و إضافة الجديد لها.
_البحث العلمي هو وسيلة للاستعلام و الاستقصاء المنظم و الدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة ,على ان يتبع في هذا الفحص و الاستعلام الدقيق خطوات منهج البحث العلمي و اختيار طريقة البحث و جمع البيانات.
_البحث العلمي هو الدراسة الموضوعية التي يقوم بها الباحث حسب الاختصاصات الطبيعية أو الإنسانية ,و التي تهدف إلى معرفة واقعية و معلومات تفصيلية عن مشكلة معينة يعاني منها المجتمع.
و هناك تعريفات فقهية متعددة للبحث العلمي :
-يعرفه دالين بأنه محاولة دقيقة و منظمة و نافذة للتوصل إلى حلول لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية وتثير قلق و حيرة الإنسان.
-يعرفه ويتني بأنه العمل الفعلي الدقيق الذي يؤدي إلى اكتشاف حقائق و قواعد عامة يمكن التأكد من صحتها.
- يعرفه بولنسكي أنه استقصاء منظم بهدف استكشاف معارف ,و التأكد من صحتها عن طريق الاختبار العلمي .
هذه التعريفات للبحث العلمي تتفق و تشترك فيما بينها في النقاط التالية :
_ أنه سلوك إجرائي و أسلوب منهجي علمي .
_يعتمد على منهجية علمية في جمع البيانات و تحليلها .
_يهدف البحث العلمي إلى زيادة الحقائق التي يعرفها الانسان ليكون أكثر قدرة على التكيف مع البيئة.
_يختبر البحث العلمي المعارف التي يتوصل إليها قبل إعلانها بهدف التأكد منها.
_البحث العلمي يشمل كل ميادين المعرفة و يعالج شتى أنواع المشاكل.
المطلب الثاني : أهمية البحث العلمي .
أصبح البحث العلمي يلعب دورا فعالا في تطوير المجتمعات اإنسانية المعاصرة على اختلاف مواقعها , و تزويدها بإمكانية امتلاك أسباب النماء على أسس قوية لتطوير الحياة بصفة عامة.فهو يساعد على إضافة وبعض المعلومات الجديدة أو تصحيحها أو إجراء تعديلات أساسية للتغلب على الصعوبات التي نواجهها سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية ...
المطلب الثالث :أهداف البحث العلمي .
هناك ثلاث أهداف للبحث العلمي :
_الهدف الأول :دراسة الواقع لفهم الظاهرة موضوع البحث و التعرف على الظروف و العوامل المؤثرة فيه , و فهم العلاقات المترابطة ,إضافة إلى فهم قوانين الطبيعة و توجيهها لخدمة الإنسان .
_الهدف الثاني :الضبط و التحكم في الظواهر و التدخل لمنع أي ظواهر غير مرغوب فيها ,و إنتاج ظواهر أخرى مرغوب فيها فالبحث العلمي يعمل على إيجاد الحلول للمشكلات المختلفة التي تواجه الانسان .
_الهدف الثالث :التنبؤ و هو أهم أهداف البحث العلمي , و يشترط فيه أن يكون مبنيا على أساس علمي سليم و بعيدا عن التخمين.
المطلب الرابع :خصائص البحث العلمي :
1 _الموضوعية :الموضوعية هي التجرد و الحياد في الرأي و الموقف أو هي دراسة واقع الإشكالية المطروحة وفق مقومات علمية خالصة و مجردة ,بهدف الوصول إلى أكبر صدق ممكنو عكسها الذاتية .بالنسبة للعلوم الإنسانية فإشكالية الموضوعية تثار بحدة مقارنة مع العلوم الطبيعية ,لأن العلاقة بين الموضوع و الذات في العلوم الإنسانية متداخلة .و التخلص من الذاتية صعب لكنه غير مستحيل فقد دعا إميل دوركايم إلى ضرورة التعامل مع الظاهرة الإنسانية كأنها كيان مادي خارج عن وعينا و فكرنا.
2_إمكانية تكرارية النتائج و تعميمها : يمكن الحصول على نفس النتائج تقريبا ,إذا ما تم إتباع نفس المنهجية العلمية ووفق خطوات البحث مرة أخرى و بنفس الشروط ,كما يمكن تعميم النتائج على الحالات المشابهة في نفس البلد أو بلد اخر ,فالقدرة على التعميم تساهم في الاستفادة من البحث بدرجة قصوى في المجالات المختلفة .أما في حالة عدم القدرة على الحصول على مسألة التعميم فإن البحث العلمي يصبح أقل أهمية و أقل فائدة.
3_التبسيط و الاختصار:أي التبسيط المنطقي في معالجة الإشكالية , و التناول المنطقي و المترابط و المنظم لأهم الأفكار ,فأي تعقيد فهو لايخدم مصلحة البحث العلمي و يقص من قميته العلمية .لكن هذا لا يعني عدم اللجوء للدراسة العميقة و استخدام المناهج العلمية .
4_التراكم المعرفي :يقصد به تراكم المعارف.و من هنا تنشأ أهمية البحوث و الدراسات السابقة لإجراء بحث جديد.
5_التنظيم :و يكون عن طريق اختيار و اتباع منهج علمي صحيح ,للوصول إلى نتائج سليمة .
المطلب الخامس :الصفات و الشروط المتطلبة في الباحث :
هناك مجموعة من الشروط منها :
_الرغبة الجادة و الصادقة في البحث .
_الصبر و العزيمة على استمرارية البحث و تحمل الصعاب.
_تقصي الحقائق و جمع البيانات بصدق و امانة.
_التجرد العلمي و الموضوعية ,و البعد عن الأهواء و العاطفة.
_البعد عن التصميم و إصدار نتائج و أحكام مسبقة.
المبحث الثالث :الخطوات الأساسية المتبعة في البحث العلمي :
تتمثل خطوات إنجاز البحث العملي في ما يلي :الملاحظة ,الفرضية ,التجربة و النتيجة .
المطلب الأول :الملاحظة
تعتبر الملاحظة أقدم وسائل جمع المعلومات .
تعرف الملاحظة بأنها تلك الوسيلة التي نحاول بها التحقق من السلوك الظاهري للأشخاص , و ذلك بمشاهدتهم و هم يعبرون عن أنفسهم في مختلف الظروف و المواقف التي اختيرت لتمثل ظروف الحياة العادية أو لتمثيل مجموعة خاصة من العوامل.
و في الاصطلاح المنهج هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة الأفكار العديدة إما من أجل الكشف عن الحقيقة حيث نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حيث نكون بها عارفين .
و يعرف الدكتور عبد الرحمان بدوي باعتاباره الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل التي تحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة .ويعرفه قاموس ربيير مجموعة الوسائل و الإجراءات التي يسلكها العقل للكشف و التدليل على الحقيقة في العلوم.
تصنيفات كرافيتيز للمنهج :
*المنهج بالمعنى الفلسفي : مجموعة من القواعد المستقلة عن أي بحث أو مضمون خاص يحيل بالأساس إلى عمليات و أشكال من التفكير تجعل الواقع المراد إدراكه سهل التناول.
*المنهج طريق للتفسير المنهج هو وسيلة لبلوغ جانب من الحقيقة و الجواب بالأساس على سؤال كيف؟
*المنهج المرتبط بمجال بميدان معين :يعد مصطلح المنهج مبررا عندما يرتبط بمجال نوعي و يضم طريقة عمل خاصة به.
اعتمدت كرافيتيز عند تطرقها للغموض الذي يكتنف المنهج باعتباره إحدى أليات المعرفة على الميزة التي تطبعه و هي المساعدة على الفهم الواسع لمسلسل البحث و ليس لفهم نتائج البحث العلمي.أي أن القاسم المشترك بين مختلف تصنيفات لمفهوم المنهج هو الغاية من استخدام المنهج التي هي المساعدة على استيعاب و فهم المسلسل الذي تمر به عملية البحث العلمي.
ثانيا المنهجية في العلوم القانونية :
علم القانون فرع من العلوم الاجتماعية الأخرى ينطبق عليه ما ينطبق عليها من منهاج البحث العلمي مع تخصيص و ملائمة لمتطلبات و خصوصيات العلوم القانونية ,هذه الخصوصية يمكن الحفاظ عليها من خلال التصنيف القائم على ارتباط المنهج بميدان معين و الذي هو في هذه الحالة القانون و بالتالي يحق القول بالمنهجية القانونية.
كما يتم الاستفادة من مزايا المنهج باعتباره طريقة للتفسير .
و منه يمكن تعريف المنهجية القانونية بأنها دراسة للطرق و المناهج التي يجب على رجال القانون اتباعها أثناء عملية البحث ,و كذا عملية تطبيق القانون أو بشكل عام ليتمكنوا من إيجاد حلول لمشاكل قانونية ,و هي غاية لاتدرك فقط بالمعرفة بالقوانين و الأنظمة و الاجتهاد القضائي .
هناك مستويات متعددة تقتضي الإلمام بالمنهجية القانونية منها :
_تطبيق المنهجية في البحوث القانونية.
_دراسة القاعدة القانونية و تتبعها و إيجاد حلول للمشاكل القانونية المطروحة على أرض الواقع.
فصل تمهيدي : مراحل تطور المعرفة الإنسانية و إشكالية الموضوعية في مجال العلوم الإنسانية.
عرف التفكير العلمي مجموعة من المحطات :الخرافي و المثالي و العلمي.
المطلب الأول :مراحل تطور المعرفة الإنسانية.
1_التفكير الخرافي :ارتبط التفكير الخرافي بتقديس زعماء القبائل و الكهنة و السحرة و كل من كان يدعي قدرات خارقة و علاجية.وقد وقفا هذا الفكر عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة حيث عمل على رفض كل المعارف التي لا تتفق معه.
2_العلم من وجهة نظر الاتجاه المثالي .يتميز هذا النوع من التفكير بإيمان الانسان المطلق بالمعتقدات و الديانات و بكونها المصدر الفعلي للمعرفة و أن القائمين على الشأن الديني هم ملاك للحقيقة.فالحقيقة العليا في كل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية كانت من تعتبر من أصل ديني.أبرز رواد هذا الفكر أفلاطون الذي يعتبر الدين علم من العوم و أن العلم هو أعلى درجات المعرفة ,لكنه كان يقصد الشق النظري من العلم و لم يتجه لدراسة الطبيعة و بقي فكره يصبو لما وراء الطبيعة و رغم محاولة تلميذه أرسطو الاقتراب من عالم الطبيعة فقد بقي فكره منحصرا في المثاليات.
هذا المفهوم الذي تميز به العلم في إطار الفكر المثالي الوثني امتد خلال القرون الوسطى في إطار الفكر الديني المسيحي الكنسي. حيث كرست الكنيسة حصر المعرفة و العلم في أبعاد دينية و حصر اهتمامات المفكرين و العلماء في نطاق التأمل الفلسفي حتى في تعاملهم مع مظاهر الطبيعة .فيمكن القول أن الكنيسة ساهمت كثيرا في تكريس الجمود الفكري عن طريق اضطهاد العلماء فانعكس ذلك على الشعوب حيث انتشر الجهل و التخلف و عاشت أوربا مرحلة من أسوء مراحل التاريخ.
3_العلم من وجهة نظر الاتجاه المادي :
التيار المادي يرى أن المعرفة تستمد من الوجود المادي أي من خلال الاتصال المادي بالطبيعة ,فالمعرفة حسب هذا التيار ماهي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العملي .
الاتجاه المادي ينبني على الخطوات التالية:
_أولا لمس المشكلة عن طريق الاتصال بالواقع ,المجتمع أو الطبيعة.
_ثانيا كوضع النظرية لحل الاشكال المطروح.
_ثالثا :تطبيق هذه النظرية على الواقع ,لنعرف مدى توافقها مع الواقع العملي أم لا ,ففي حالة النجاح نكون حققنا معرفة ,و في حالة الفشل نبدأ بصياغة نظرية أخرى و على هذا النمط تتطور المعرفة العلمية في شتى المجالات.
حسب النظرية المادية أي شيء غير متاح للحواس لا يعتبر معرفة و إنما هو خيال ,و على هذا الأساس انتقدت المدرسة المادية الدين.
4_موقف الدين الإسلامي من المدرسة المثالية و المدرسة المادية:
سبب عدواة النظرية المادية للدين هو الممارسة التعسفية للكنيسة على الفكر.
أما الإسلام فقد أعطى للعلم قيمته الحقيقية ,كما أنه وازن بين الطابع المادي للعلم و بين المعتقدات الدينية الغيبية.
المطلب الثاني :إشكالية الموضوعية في مجال العلوم الإنسانية.
العلوم الطبيعية أو العلوم الحقة عرفت تقدما و تطورا كبير ,بخلاف العلوم الإنسانية التي انعكست نشاتها المتأخرة على تطور و تقدمها ,غير أنه ظهور أزمات نفسية و ظواهر اجتماعية جديدة مع التطور السريع و المهول دفعت بالعلوم الإنسانية إلى السعي نحو تحويل الانسان إلى ظاهرة قابلة للدارسة العلمية و الموضوعية.لكن ما يميز الانسان عن الظواهر الطبيعية جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل ابستمولوجية _الابستمولوجيا هي دراسة العلم_.
و للتمكن من الوقوف على بعض الإشكاليات المرتبطة بالعلوم الإنسانية نستعين بالتساؤل التالي :ماهي قدرة العلوم الإنسانية على فهم و تفسير الظواهر الإنسانية ؟
موقف جون بياجي :يرى أنه من الصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لسببين أساسيين :
*السبب الأول العلاقة بين الذات و الموضوع في العلوم الإنسانية تخلق وضعا معقدا ,فالانسان هو الدارس و هو أيضا موضوع الدراسة و يتمخض عن هذا الوضع المتشعب صعوبة استيفاء شرط الموضوعية .
*السبب الثاني :اعتقاد العالم بأنه يملك معرفة قبلية تجعله قادرا على الاستغناء عن التقنيات العلمية .
يرى بيجي أيضا أن الباحثين في العلوم الإنسانية ينطلقون من خلفيات فلسفية و إيديولوجية.
موقف فيلهام دلتاي :ينطلق من تصور منهجي لكل من العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية .
فالعلوم الطبيعية أو العلوم الحقة تنظر إلى موضوعها باعتباره ظاهرة خارجية.أما العلوم الإنسانية فالمناهج التي تدرس بها تختلف عن العلوم الطبيعية فالطبيعة نفسرها و الحياة النفسية نفهمها .فالعلوم الإنسانية تتعامل مع ظاهرة حية كلية لا يمكن تجزيئها كما هو الحال بالنسبة للظواهر الطبيعية القابلة للعزل و الدراسة الخارجية .من تم لابد أن تطور العلوم الإنسانية مناهجها .
و انطلاقا من هذا التصور الفلسفي الأخير فالعلوم الإنسانية تفترض أن تكون الذات هي نفسها الموضوع المدروس ,علاوة على ذلك فالعالم يعتبر طرفا و حكما في وقت واحد ,غير أن ذلك لايجب أن يؤثر في النظرة إلى القيمة العلمية لهذه الأمور.فالغاية الابستمولوجية من إبراز التداخل بين الذات و الموضوع يتحدد في تحديد الشروط المنهجية التي يجب اعتمادها.نفس الإشكاليات تعرفها الفيزياء المعاصرة مما جعلها تأخذ بعين الاعتبار تدخل الملاحظ في بناء الظاهرة.و هذا يؤكد غياب القطيعة بين العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية.
موقف ميرلوبونتي:يرى أنه لا يجب النظر إلى الإنسان باعتباره موضوعا للعلوم الطبيعية أو الإنسانية ,فالذات ذات هي المصدر الحقيقي للعالم المادي ,فلولا وجود الذات لما كان للعالم أبعاد و جهات ,و من ثمة فالواقع يوجد انطلاقا من الذات و من أجلها.فمصدر المعرفة الإنسانية هو تفاعل الذات مع العالم من خلال التجربة التي تعيشها هذه الذات .
للخروج من هذا الإشكال العلمي يمكن أن نقول أن وجود العلوم الطبيعية ساعد العلوم الإنسانية على تطوير نفسها و البحث عن مناهج تميزها .و مسألة الموضوعية المطروحة ليست تشكيكا في قيمة هذه العلوم و إنما يتعلق الأمر بنقاش ابستمولوجي يمكنه إغناء العلوم اللإنسانية و دفعها لتوخي الدقة من خلال إدارك خصوصيات الموضوع المدروس ,لأن جميع الصعوبات تتمثل في طبيعة الظاهرة الإنسانية كظاهرة معقدة و متغيرة وواعية.
المحور الأول :ماهية مناهج البحث العلمي و تصنيف المناهج.
المبحث الأول :مفهوم علم المناهج.
عمل الفلاسفة الغربيون على تأسيس علم المناهج كعلم مستقل قائم بذاته له أسسه و مبادئه و اهم ما يميزه هو أن كل العلوم تسعى للتقرب منه باعتباره المحدد الأول لأي معرفة من المعارف .كما أن العلوم الإنيانية تفتخر بعلميتها كلما نجحت في تطبيق المناهج العلمية داخل مجالها.
المطلب الأول :تعريف علم المناهج .
علم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي و الطرق العلمية التي يكتشفها و يستخدمها العلماء و الباحثون من أجل الوصول للحقيقة. و قد استخدمت كلمة علم المنهجية أو علم المناهج لأول مرة على يد الفيلسوف كانت عندما قسم المنطق إلى قسمين هما :
مذهب المبادئ :الذي يبحث في الشروط و الطرق الصحيحة للحصول على المعرفة .
مذهب المناهج :الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم و تحديد الطريقة التي يتكون بها كل علم من العلوم.
المطلب الثاني :تكوين علم المناهج.
لإشكالية المطروحة :هل يتم تكوين علم المناهج بواسطة رجال المنطق و الفلاسفة مسبقا ,يضعونه في صورة مبادئ و قواعد علمية ,بعد ذلك يجب على الباحث و العالم المتخصص أن يلتزم به و يسير على هديه,عند القيام بأبحاثه العلمية ؟ام أن الأمر يعود إلى الباحث و العالم المتخصص؟
موقف كلود برنار في كتابه المدخل لدراسة الطب التجريبي ,قرر أن المناهج لايمكن ان تدرس نظريا كقوانين نظرية فهي تتكون داخل ميدان البحث و العمل ,فالباحث لايجب أن يتقيد بمنهج و مذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية.
الدكتور عبد الرحمان بدوي :يرى ضرورة و حتمية تكامل و تعاون و تساند كل من العالم المتخصص و الفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج و علم المناهج.
ما أجمع عليه العلماء أن عملية تكوين مناهج البحث العلمي و علم المناهج عملية يشترك فيها العالم المختصص و الفيلسوف المنطقي بصورة تكامل و تساند و تعاون.فالعالم المتخصص يقوم في المرحلة الأولى ببيان المنهج الذي اكتشفه و اتبعه في بحوثه و دراسته الدراسة العلمية المتخصصة في إطار علم من العلوم ,ثم يقدم تقريرا أو أطروحة أو مقالا عن ذلك,ثم يأتي عالم اخر أوسع علما و أفقا ,و ذو عقلية تأملية شمولية و عامة ,ليقوم بعملية المراقبة و التنسيق بين التقارير و النتائج التي توصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.
و منه نصل أن كافة المناهج العلمية صالحة لكافة العلوم و ليس هناك تخصيص للمناهج.و يمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد في نطاق علم واحد هذا من شأنه منح بحث علمي كامل و شامل و ذو براهين قوية.
المطلب الثالث :مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.
لم يقبل العلماء فكرة تطبيق المنهج العلمي على العلوم الإنسانية بسهولة نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة في :
_الظواهر الإنسانية معقدة و متشابكة .
_الظواهر الإنسانية حركية و سريعة التغيير و التفاعل.
_فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية الإنسانية.
_صعوبة استخدام الظاهرة الإنسانية في المختبر العلمي.
_غياب الموضوعية عند دراسة الظاهرة الإنسانية.
من أجل تذليل هذه الصعوبات التي تعيق إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي طرح علماء العلوم الإنسانية قاعدتين هما:
_اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء عند دراستها فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة بالتالي تصبح الظواهر الاجتماعية قابلة للإدراك خارج ذاتية الباحث.
_استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك دعا إميل دور كايم إلى عزل الظواهر الاجتماعية عن فكر وجعلها كيانا قائما بذاته خارج مجال التأثير على الباحث.
المبحث الثاني :تصنيف مناهج البحث العلمي .
الفرع الأول :التصنيف التقليدي لمناهج البحث العلمي.
تم تصنيف مناهج البحث العلمي إلى عدة تصنيفات منها :
التصنيف الأول :المنهج التحليلي ,المنهج التركيبي ,المنهج التحليلي الاكتشافي أو منهج الاختراع (هدفه اكتشاف و اختراع الحقائق بهدف تعليمها و نشرها للاخرين),المنهج التركيبي أو التأليفي (هدفه تركيب و تأليف الحقائق).
مايعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط و لايشمل القوانين و الظواهر ,كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم و المعرفة.
التصنيف الثاني :*المنهج التلقائي (و هو المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق للأساليب و القواعد). *المنهج العقلي التأملي (هو المنهج الذي يسير فيه العقل و الفكر في نطاق أصول و قواعد منظمة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة)
هذا التصنيف يعاب عليه تحدثه عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة و الشروط العقلية العلمية و ليس مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول و قوانين.
الفرع الثاني :التصنيف الحديث لمناهج البحث العلمي.
_تصنيف ويتني :رتب الفقيه ويتني المناهج العلمية على النحو التالي:المنهج الوصفي ,المنهج التاريخي,المنهج التجريبي,البحث الفلسفي,البحث التنبؤي,البحث الاجتماعي ,البحث الإبداعي.
_تصنيف ماكيز :المنهج الانتروبولوجي ,المنهج الفلسفي ,منهج دراسة الحالة ,المنهج التاريخي ,منهج المسح ,المنهج التجريبي.
ما يلاحظ على هذه التصنيفات أن أصحابها بالغوا في تحديد مناهج البحث العلمي ,فقد أقحموا بعض أنواع البحوث العلمية و طرق الحصول على المعرفة و الثقافة.و كذا بعض أجزاء المناهج الأصيلة.
لكن هناك مناهج أصلية و أخرى فرعية متفق عليها من طرف علماء علم المناهج و هي :
المناهج الأصلية:المنهج الاستدلالي_النهج التاريخي _ المنهج التجريبي_المنهج الجدلي.
المناهج الفرعية :هي التي لم يتفق العلماء على اعتبارها أصلية وهي :المنهج الوصفي _المنهج الإحصائي _المنهج التحليلي _المنهج المقارن...
المبحث الثالث :المناهج العلمية الأصلية و الفرعية
الفرع الأول:المناهج العلمية الأصلية أو الأساسية :
المطلب الأول :المنهج الاستقرائي الاستنباطي
الفقرة الأولى :المنهج الاستقرائي.
المنهج الاستقرائي هو عملية ملاحظة الظواهر و تجميع البيانات عنها للتوصل إلى مبادئ عامة و علاقات كلية .و ينبني على فكرة أساسية مفادها أن الباحث ينتقل أثناء تحليله لموضوع البحث من فكرة الجزء إلى الكل و من الخاص إلى العام ,حيث يبدأ بالتعرف على الجزئيات ثم يقوم بتعميم النتائج على الكل.
و عمل أرسطو على تقسيم الاستقراء إلى نوعين :
_استقراء الكامل :هو استقراء يقيني يقوم على ملاحظة جميع أجزاء الظاهرة موضوع البحث ,لإصدار الحكم الكلي على مجموع الظاهرة المدروسة.
_الاستقراء الناقص:هو استقراء غير يقيني حيث يقوم الباحث بدراسة بعض أجزاء الظاهرة ,دراسة شاملة ,ثم يقوم بتعميم النتائج على الكل .
الفقرة الثانية المنهج الاستنباطي.
يعمل الباحث في المنهج الاستنباطي من فكرة أساسها أن الباحث ينتقل في تحليله لموضوع البحث من الكل إلى الجزء أو من العام إلى الخاص .
بسبب الانتقادات الموجهة لأسلوبي المنهجين الاستنباطي و الاستقرائي حول دقة نتائجهما ,استلزم الامر المزج بينهما للوصول إلى العلم و المعرفة الدقيقة و هذا الأسلوب الجديد سمي بالمنهج العلمي الحديث .
المطلب الثاني :المنهج الاستدلالي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية.
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج الاستدلالي:
الاستدلال هو البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها و يسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة ,دون الالتجاء إلى التجربة و هذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب.
المجال الأصلي لتطبيق الاستدلال هو الرياضيات لكنه في سائر العلوم الأخرى.
1.مبادئ الاستدلال:
قد قسم رجال المنطق القدماء مبادئ الاستدلال إلى: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.
أ ـ البديهيات:البديهية هي قضية بينة بنفسها, وليس من الممكن البرهنة عليها, فهي صادقة بلا برهان..
ب ـ المسلمات:المسلمات أقل يقينية من البديهيات, , ولكن يصادق على صحتها ويسلم بها تسليما, بالرغم من عدم بيانها بوضوح للعقل, ولكن نظرا لفائدتها المتمثلة في إمكانية استنتاج منها العديد من النتائج دون الوقوع في تناقض..
ج ـ التعريفات:يراد بها ,التعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة ,يجمع من خلاله كل صفات الشيء و يمنع دخول صفة أو خصائص خارجة عنه حيث يصبح التعريف جامعا مانعا.
أدوات الاستدلال:
أ_البرهان :و هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة ـ ب_القياس:وهو عملية أو قضية عقلية منطقية، تنطلق من مقدمات مسلم بها, إلى نتائج غير مضمون صحتها. .
ج ـ التجريب العقلي:هو قيام الباحث داخل عقله بكل الفروض و التجارب التي يعجز عن القيام بها في الخارج.
الفقرة الثانية :نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
المنهج الاستدلالي يعد من بين المناهج الأساسية التي تعتمد عليها الدراسات القانونية ,على وجه الخصوص مجل القضاء و التشريع من خلال استخدام أدوات القياس لحل النزاعات و التوصل إلى نتائج صائبة.
المطلب الثاني :المنهج التاريخي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية:
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج التاريخي.
عرف المنهج التاريخي عدة تعريفات عامة وخاصة, منها التعريف العام الذي يقرر صاحبه أنه: " الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية, كأساس لفهم المشاكل المعاصرة, والتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل."( )
ومنها التعريف التالي الذي يتميز بنوع من الدقة: " هو وضع الأدلة المأخوذة من الوثائق والمسجلات مع بعضها بطريقة منطقية, والاعتماد على هذه الأدلة في تكوين النتائج التي تؤدي إلى حقائق جديدة, وتقدم تعميمات سليمة عن الأحداث الماضية أو الحاضرة أو على الدوافع والصفات الإنسانية ."( ).
ويمكننا القول أن المنهج التاريخي هو منهج بحث علمي, يقوم بالبحث والكشف عن الحقائق التاريخية, من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية المسجلة في الوثائق والأدلة التاريخية, وإعطاء تفسيرات وتنبؤات علمية عامة في صورة نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا.
1 ـ اختيار الموضوع تحديد المشكلة العلمية التاريخية:
أي تحديد المشكلة أو الفكرة العلمية التاريخية التي تقوم حولها التساؤلات والاستفسارات التاريخية, الأمر الذي يؤدي إلى تحريك عملية البحث التاريخي, لاستخراج فرضيات علمية تكّون الإجابة الصحيحة والثابتة لهذه التساؤلات.
2ـ جمع وحصر الوثائق التاريخية:
بعد عملية تحديد المشكلة, تأتي مرحلة جمع كافة الحقائق والوقائع المتعلقة بالمشكلة, وذلك عن طريق حصر وجمع كافة المصادر والوثائق والآثار والتسجيلات المتصلة بعناصر المشكلة, ودراسة وتحليل هذه الوثائق بطريقة علمية للتأكد من صحتها وسلامة مضمونها( ).
ونظرا لأهمية وحيوية هذه المرحلة أطلق البعض على المنهج التاريخي اسم " منهج الوثائق", فالوثائق التاريخية هي جوهر المنهج التاريخي .
والوثيقة في اللغة الأداة والبينة المكتوبة الصحيحة والقاطعة في الإثبات.
أما في الاصطلاح فهي: "جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء.
والوثائق أوسع من النص المكتوب, حيث تشمل كافة الوثائق والمصادر والأدلة والشواهد التاريخية, أصيلة وأولية, أو ثانوية وتكميلية, مكتوبة أو غير مكتوبة, رسمية أو غير رسمية, مادية أو غير مادية, والتي تتضمن تسجيلا لحوادث ووقائع تاريخية, أو لبعض أجزائها وعناصرها, يعتمد عليها في البحث والتجريب للوصول إلى الحقيقة التاريخية المتعلقة بالمشكلة محل الدراسة والبحث.
3 ـ نقد الوثائق التاريخية:
بعد عملية حصر وجمع الوثائق التاريخية, تأتي مرحلة فحص وتحليل هذه الوثائق, تحليلا علميا دقيقا, عن طريق استخدام كافة أنواع الاستدلالات والتجريب, للتأكد من مدى أصالة وهوية وصدق هذه الوثائق.
وتعرف عملية التقييم والفحص والتحليل هذه, بعملية النقـد, وهذا النقد قد يكون نقدا خارجيا وقد يكون نقدا داخليا.
ـ النقد الخارجي للوثائق التاريخية: يستهدف هذا النقد التعرف على هوية وأصالة الوثيقة, والتأكد من مدى صحتها, وتحديد زمان ومكان وشخصية المؤلف للوثيقة, وكذا ترميم أصلها إذا طرأت عليها تغيرات, وإعادتها إلى حالتها الأولى.
ـ النقد الداخلي للوثائق التاريخية: وتتم عن طريق تحليل وتفسير النص التاريخي والمادة التاريخية, وهو ما يعرف بالنقد الداخلي الإيجابي, وبواسطة إثبات مدى أمانة وصدق الكاتب ودقة معلوماته.
الفقرة الثانية:تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية:
المنهج التاريخي يقوم بدور حيوي في مجال الدراسات القانونية ,التي تتمحور حول الوقائع والأحداث.فبواسطة المنهج التاريخي يمكن معرفة الحقائق العلمية التاريخية عن أصل و أساس و غاية القانون ,في كافة راحل و عصور التاريخ الإنساني و ذلك بطريقة علمية صحيحة.و تزداد أهمية هذا المنهج في الدراسة القانونية عندما نعلم أن معظم الأفكار و الدراسات و الأبحاث القانونية ترجع في أصول و جذور أبحاثها إلى المنهج التاريخي.
المطلب الثالث :المنهج التجريبي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية
الفقرة الأولى :مفهوم المنهج التجريبي .
المنهج التجريبي هو تغيير متعمد و مضبوط وفق الشروط المحددة لواقعة معينة ,و ملاحظة التغييرات الناتجة في هذه الواقعة ذاتها و تفسيرها .فهو يقوم أساسا على أسلوب التجربة العلمية ,حيث تكشف عن العلاقات السببية بين المتغيرات المختلفة,و تتفاعل مع القوى التي تحدث في الموقف التجريبي.
-مميزات المنهج التجريبي:
*أنه أقرب المناهج للطريقة العلمية.
*أنه منهج علمي خارجي حيث يعتمد على التجربة الخارجة عن العقل.
*أنه منهج موضوعي ,أي النتائج المتحصل عليها معن طريق التجربة تفرض نفسها على العقل حتى و إن كانت تتعارض مع رغبة الباحث و ميوله النفسي.
الفقرة الثانية :أسس المنهج التجريبي و مراحله.
ينبني المنهج التجريبي على ثلاث مقومات أساسية هي الملاحظة ,الفرضية العلمية ,و التجربة.
1-الملاحظة أو المشاهدة العلمية :الملاحظة العلمية هي الخطوة الأولى في البحث العلمي ,و هي المحرك الأساسي لبقية العناصر.
والملاحظة بالمعنى العام هي الانتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة دون قصد.أما الملاحظة العلمية فهي المشاهدة الحسية المقصودة و المنظمة و الدقيقة ,للحوادث و الأشياء و الظواهر ,بغية اكتشاف أسبابها و قوانينها و نظرياتها.
شروط الملاحظة العلمية:
_يجب أن تكون الملاحظة كاملة أي يجب على الباحث أنم يلاحظ كافة العناصر التي لها صلة بالموضوع أو الظاهرة.
_يجب أن تكون الملاحظة العلمية ,نزيهة و موضوعية و مجردة و لا تتأثر بفرضيات و أحاسيس سابقة.
_يجب أن يكون الملاحظ مؤهلا و قادرا و مختصا و عالما.
2-الفرضية العلمية :الفرضية لغة هي التخمين أو الاستنتاج .و اصطلاحا تعني التفسير المؤقت لوقائع و ظواهر معينة لا تزال بمعزل عن الامتحان ,و بعد امتحانها ,تصبح قوانين تفسر الظاهرة.
3-التجربة:بعد عملية إنشاء الفرضية تأتي عملية التجربة على الفرضيات لإثبات مدى سلامتها و صحتها.
الفقرة الثالثة :نطاق تطبيق المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية.
طبق المنهج التجريبي في العديد من الدراسات القانونية ,حيث برز دلك في مجالات قانونية عديدة منها مثلا :علاقة القانون بالبيئة الاجتماعية _علاقة القانون بالسلطة و القانون.كما ازدهر استخدام المنهج التجريبي في مجال العلوم الجنائية بعدما تم اكتشاف حتمية العلاقة و التكامل بين العلوم الجنائية و علم النفس الجنائي ,و علم الاجتماع القانوني و علم الطب النفسي وعلم الطب العيادي و علم الوراثة.
أكثر فروع العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي هو قانون المسطرة الجنائية و قانون التنظيم القضائي و القانون الجنائي و القانون الإداري ,نظرا لطبيعتهم الخاصة و ارتباطهم بالواقع.
المطلب الرابع :المنهج الجدلي الديليكتيكي و تطبيقاته في مجال العلوم القانونية.
الفقرة الأولى التعريف بالمنهج الجدلي:
يقوم المنهج الجدلي على أساس فكرة تقول أن كل الأشياء و الظواهر و العمليات و الحقائق الطبيعية ,و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية هي دائما في حالات ترابط و تشابك و تداخل و دائما في حالات صراع و تناقض .و هو منهج قديم من عهد الإغريق في فلسفته و أسسه ,و تم بناؤه كمنهج علمي لدراسة و تحليل الحقائق و الأشياء و الظواهر و العمليات حديثا على يد الفيلسوف الأماني هيجل الذي اكتشف قوانين هذا المنهج المتمثلة في قانون تحول التبادلات الكمية إلى نوعية ,و قانون وحدة وصراع الأضداد,و قانون نفي النفي.غير أن الفيلسوف فورباخ انتقد النزعة المثالية عند هيجل و نادى بضرورة اتسام و اتصاف الدياليكتيك بالنزعة المادية كي يصبح موضوعيا و واقعيا و علميا.وبعد ذلك قام كارل ماركس بإعادة صياغة الدياليكتيك صيغة مادية علمية عملة حيث أبقى على كل نظرياتها و أسسها إلا أنه نزع منها الطبيعة المثالية.
و يتميز المنهج الجدلي بخصائص أساسية تتمثل في :
*هو منهج علمي موضوعي .
*هو منهج عام و شامل يكشف معرفة و تعريف كافة الظواهر و العمليات العلمية ,النظرية و الطبيعية و الاجتماعية و السياسية و التنظيمية .
الفقرة الثانية :تطبيق المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية.
في مجال العلوم القانونية قام المنهج الجدلي بدور كبير في اكتشاف و تفسير النظريات و القوانين العلمية و التنبؤ بها ,مثلا القوانين المتعلقة بتفسير أصل و غاية الدولة و أصل و غاية القانون.كما استخدم ماركس هذا المنهج في الكشف و التفسير ظاهرة الثورة و ظهور دولة البروليتاريا و التفسير المادي الاقتصادي للتاريخ.
الفرع الثاني :المناهج العلمية الفرعية
طرح نقاش فكري حول مسألة المناهج العلمية هل كلها أصلية أم هناك مناهج علمية فرعية؟وحول هذا السؤال هناك من يعتبر المنهج الوصفي و المنهج المقارن و المنهج الإحصائي مجرد أدوات بحث ,لأنها لاترقى إلى درجة المنهج العملي .
المطلب الأول :المنهج الوصفي و دوره في الدراسات القانونية.
يتعدى المنهج الوصفى مجرد وصف الظاهرة إلى تحليل البيانات و استخراج الاستنتاجات ذات الدلالة و المغزى بالنسبة لمشكلة البحث.
و يعتمد المنهج الوصفي على مناهج فرعية تتمثل في المنهج المسحي ونهج دراسة الحالة و المنهج المقارن.
الفقرة الأولى :المنهج المسحي ودوره في الدراسات القانونية القانونية.
عرفه وينتي بأنه محاولة منظمة لتحليل و تأويل الوضع الراهن لنظام اجتماعي.
و عرفه مورس بأنه منهج لتحليل و دراسة موقف أو مشكلة و ذلك باتباع طريقة عملية منظمة.
المسح يكون دائما لدراسة موضوع ما في الحاضر.
مراحل المسح هي :مرحلة تعريف البيئة و بيان حدودها ,و مرحلة الوصف الدقيق و مرحلة التحليل و إيجاد العلاقة السببية بين مختلف العوامل المختلفة.
هناك عدة أنواع من المناهج المسحية منها :المسوح الوصفية_ المسوح التفسيرية _المسوح الشاملة _المسوح بالعينة.و هناك المسوح العامة و المسوح المختصة.
أول من استخدم المنهج المسحي في العلوم القانونية هو جون هوارد حيث قام بمسح اجتماعي للوقوف على حالة المسجونين و قدم نتائج البحث لمجلس العموم البريطاني ,الذي أصدر تشريعات ترمي لإصلاح السجون و حالة المسجونين في إنجلترا.
الفقرة الثالثة :منهج دراسة الحالة و دوره في الدراسات القانونية.
دراسة الحالة تتناول الموضوع عموديا ,عكس الدراسة المسحية التي تتناوله أفقيا.لدراسة الحالة نتبع الخطوات التالية:_تصميم العينة من خلال تحديد الحالة المراد دراستها ._ثم مرحلة دراسة العينة و تتم عن طريق التاريخ الشخصي للحالة(الوقوف عند كل الحوادث التي مرت بالمبحوث من جهة نظره ,و يتم ذلك بالإطلاع على مذكراته الشخصية التي كتبها بنفسه ) ,و تاريخ الحالة(تحصيل المعلومات عن المحيط الذي تعيش فيه تلك الحالة ,كالأسرة و المدرسة و مكان العمل ...)
الإجراءات المتبعة في دارسة الحالة هي المقابلة الشخصية _الملاحظة المعمقة_دراسة الوثائق و السجلات المكتوبة لتسجيل كل المعلومات عن الحالة المدروسة.
يطبق منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية على وجه الخصوص في العلوم الجنائية .مثلا لمعرفة الدوافع الإجرامية ,يجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل بناء نظريات جديدة تفسر السلوك الإجرامي.
الفقرة الثالثة :المنهج المقارن و دوره في الدراسات القانونية :
المقارنة لا تتم إلا بين شيئين متماثلين و لا يمكن أن يكونا متناقضين.
المنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه الشبه و الاختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر.
استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية حل محل التجربة المستخدمة في العلوم الطبيعية .و عليه فالدراسات القانونية لا تخلو من المنهج المقارن و ذلك أن النظام القانوني ,لا يمكن اكتشاف ما فيه من نقص و فراغ ...إلا من خلال مقارنته بنظم قانونية لدول أخرى.
المطلب الثاني المنهج الإحصائي و دوره في الدراسات القانونية.
حاول الكثير من المفكرين جعل المنهج الإحصائي علما له قواعد و قوانين .لكن الرأي العلمي الحديث جعل الإحصاء أداة للقياس و منهجا للبحث يعتمد على الملاحظة ,و جمع البيانات و مقارنتها و تفسيرها.
مميزات المنهج الإحصائي:
*يعتبر وسيلة جيدة للتجرد من الذاتية و فهو يقربنا من النتائج الحقيقية العلمية بطريقة موضوعية.
*يقدم نتائج البحث بصورة كمية تعبر بشكل دقيق عن الظاهرة المدروسة.
يمر المنهج الاحصائي بالمراحل التالية :_تحديد المشكلة موضوع البحث._جمع البيانات الإحصائية من المجتمع._ترجمة البيانات في شكل جداول و منحنيات بيانية._تصنيف البيانات_تحليل البيانات._استخلاص النتائج القابلة للتعميم.
دور هذا العلم في مجال الدراسات القانونية هو توفير أدوات رياضية للباحث يستطيع من خلالها ترجمة و تحويل العبارات الفضفاضة إلى أرقام دقيقة ,تعكس نتائج البحث و تضفي عليه طابع الدقة و العلمية.
المحور الثاني :منهجية إعداد البحوث العلمية القانونية.
الفصل الأول :المفاهيم الأساسية للبحث العلمي .
المبحث الأول :ماهية البحث العلمي:
المطلب الأول :تحديد و ضبط مفهوم البحث العلمي .
الفقرة الأولى :العلم و المعرفة.
عرف الفقهاء العلم بأنه نشاط يهدف إلى وزيادة قدرة الإنسان على السيطرة على الطبيعة .فهو نشاط إنساني موجه إلى وصف الظواهر التي يدرسها و يصنفها إلى أنواع مختلفة .و لايقتصر العلم على وصف الظواهر ,بل يهدف أيضا إلى اكتشاف العلاقات بين الظواهر المختلفة ,و يهدف أيضا إلى التنبؤ بالمستقبل و تقديم التوصيات ,و حل المشكلات بناء على الأسلوب العلمي المنطقي التحليلي.
و العلم أحد فروع المعرفة .و المعرفة نوعان :
_معرفة عامة :تحصل من خلال المشاهدة و التعامل اليومي.
_معرفة خاصة :عملية دقيقة لاتستند إلى الحدس و الاحتكاك فقط ,بل أيضا عن طريق التعلم و التحليل المنهجي و الشامل للموضوع محل الدراسة.
الفقرة الثانية:تعريف البحث العلمي.
البحث في اللغة هو التفتيش و التقصي عن الحقيقة. و في الجانب الاصطلاحي له عدة تعريفات منها:
_البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب و مناهج علمية محددة للحقائق العلمية بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها و إضافة الجديد لها.
_البحث العلمي هو وسيلة للاستعلام و الاستقصاء المنظم و الدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة ,على ان يتبع في هذا الفحص و الاستعلام الدقيق خطوات منهج البحث العلمي و اختيار طريقة البحث و جمع البيانات.
_البحث العلمي هو الدراسة الموضوعية التي يقوم بها الباحث حسب الاختصاصات الطبيعية أو الإنسانية ,و التي تهدف إلى معرفة واقعية و معلومات تفصيلية عن مشكلة معينة يعاني منها المجتمع.
و هناك تعريفات فقهية متعددة للبحث العلمي :
-يعرفه دالين بأنه محاولة دقيقة و منظمة و نافذة للتوصل إلى حلول لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية وتثير قلق و حيرة الإنسان.
-يعرفه ويتني بأنه العمل الفعلي الدقيق الذي يؤدي إلى اكتشاف حقائق و قواعد عامة يمكن التأكد من صحتها.
- يعرفه بولنسكي أنه استقصاء منظم بهدف استكشاف معارف ,و التأكد من صحتها عن طريق الاختبار العلمي .
هذه التعريفات للبحث العلمي تتفق و تشترك فيما بينها في النقاط التالية :
_ أنه سلوك إجرائي و أسلوب منهجي علمي .
_يعتمد على منهجية علمية في جمع البيانات و تحليلها .
_يهدف البحث العلمي إلى زيادة الحقائق التي يعرفها الانسان ليكون أكثر قدرة على التكيف مع البيئة.
_يختبر البحث العلمي المعارف التي يتوصل إليها قبل إعلانها بهدف التأكد منها.
_البحث العلمي يشمل كل ميادين المعرفة و يعالج شتى أنواع المشاكل.
المطلب الثاني : أهمية البحث العلمي .
أصبح البحث العلمي يلعب دورا فعالا في تطوير المجتمعات اإنسانية المعاصرة على اختلاف مواقعها , و تزويدها بإمكانية امتلاك أسباب النماء على أسس قوية لتطوير الحياة بصفة عامة.فهو يساعد على إضافة وبعض المعلومات الجديدة أو تصحيحها أو إجراء تعديلات أساسية للتغلب على الصعوبات التي نواجهها سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية ...
المطلب الثالث :أهداف البحث العلمي .
هناك ثلاث أهداف للبحث العلمي :
_الهدف الأول :دراسة الواقع لفهم الظاهرة موضوع البحث و التعرف على الظروف و العوامل المؤثرة فيه , و فهم العلاقات المترابطة ,إضافة إلى فهم قوانين الطبيعة و توجيهها لخدمة الإنسان .
_الهدف الثاني :الضبط و التحكم في الظواهر و التدخل لمنع أي ظواهر غير مرغوب فيها ,و إنتاج ظواهر أخرى مرغوب فيها فالبحث العلمي يعمل على إيجاد الحلول للمشكلات المختلفة التي تواجه الانسان .
_الهدف الثالث :التنبؤ و هو أهم أهداف البحث العلمي , و يشترط فيه أن يكون مبنيا على أساس علمي سليم و بعيدا عن التخمين.
المطلب الرابع :خصائص البحث العلمي :
1 _الموضوعية :الموضوعية هي التجرد و الحياد في الرأي و الموقف أو هي دراسة واقع الإشكالية المطروحة وفق مقومات علمية خالصة و مجردة ,بهدف الوصول إلى أكبر صدق ممكنو عكسها الذاتية .بالنسبة للعلوم الإنسانية فإشكالية الموضوعية تثار بحدة مقارنة مع العلوم الطبيعية ,لأن العلاقة بين الموضوع و الذات في العلوم الإنسانية متداخلة .و التخلص من الذاتية صعب لكنه غير مستحيل فقد دعا إميل دوركايم إلى ضرورة التعامل مع الظاهرة الإنسانية كأنها كيان مادي خارج عن وعينا و فكرنا.
2_إمكانية تكرارية النتائج و تعميمها : يمكن الحصول على نفس النتائج تقريبا ,إذا ما تم إتباع نفس المنهجية العلمية ووفق خطوات البحث مرة أخرى و بنفس الشروط ,كما يمكن تعميم النتائج على الحالات المشابهة في نفس البلد أو بلد اخر ,فالقدرة على التعميم تساهم في الاستفادة من البحث بدرجة قصوى في المجالات المختلفة .أما في حالة عدم القدرة على الحصول على مسألة التعميم فإن البحث العلمي يصبح أقل أهمية و أقل فائدة.
3_التبسيط و الاختصار:أي التبسيط المنطقي في معالجة الإشكالية , و التناول المنطقي و المترابط و المنظم لأهم الأفكار ,فأي تعقيد فهو لايخدم مصلحة البحث العلمي و يقص من قميته العلمية .لكن هذا لا يعني عدم اللجوء للدراسة العميقة و استخدام المناهج العلمية .
4_التراكم المعرفي :يقصد به تراكم المعارف.و من هنا تنشأ أهمية البحوث و الدراسات السابقة لإجراء بحث جديد.
5_التنظيم :و يكون عن طريق اختيار و اتباع منهج علمي صحيح ,للوصول إلى نتائج سليمة .
المطلب الخامس :الصفات و الشروط المتطلبة في الباحث :
هناك مجموعة من الشروط منها :
_الرغبة الجادة و الصادقة في البحث .
_الصبر و العزيمة على استمرارية البحث و تحمل الصعاب.
_تقصي الحقائق و جمع البيانات بصدق و امانة.
_التجرد العلمي و الموضوعية ,و البعد عن الأهواء و العاطفة.
_البعد عن التصميم و إصدار نتائج و أحكام مسبقة.
المبحث الثالث :الخطوات الأساسية المتبعة في البحث العلمي :
تتمثل خطوات إنجاز البحث العملي في ما يلي :الملاحظة ,الفرضية ,التجربة و النتيجة .
المطلب الأول :الملاحظة
تعتبر الملاحظة أقدم وسائل جمع المعلومات .
تعرف الملاحظة بأنها تلك الوسيلة التي نحاول بها التحقق من السلوك الظاهري للأشخاص , و ذلك بمشاهدتهم و هم يعبرون عن أنفسهم في مختلف الظروف و المواقف التي اختيرت لتمثل ظروف الحياة العادية أو لتمثيل مجموعة خاصة من العوامل.
هناك نوعين من الملاحظة :
_الملاحظة الحسية هي تلك الملاحظة المستمدة من حواس الإنسان الخمس و هي متوفرة لكل الناس و تسمى الملاحظة العادية.
_الملاحظة الإدراكية ,و هي تلك الملاحظة التي يكون مصدرها العقل و يتم فيها استخدام منهج معين و يطلق عليه اسم الملاحظة العلمية.
المطلب الثاني : الفرضية .
الفرضية تفسير مؤقت أو محتمل ,يوضح العوامل أو الأحداث أو الظروف التي يحاول الباحث فهمها و يمكن القول إن الفرضية هي إجابة مؤقتة للسؤال المطروح.
+أشكال الفرضية :
1-فرضية أحادية يتم التركيز فيها على ظاهرة واحدة بهدف التنبؤ بالتطورات التي تقع عليها.
2-فرضية ثنائية يتم التركيز على ظاهرتين أساسيتين يربط بينهما التنبؤ ,بمعنى أن إحدى الظاهرتين تتغير بتغير الظاهرة الأخرى .
3-فرضية متعددة يتم التركيز على ظواهر متعددة ,و بعد ذلك يعمد الباحث إلى الدراسة و التحليل و المقارنة بين الظواهر للوقوف على الفوارق الحاصلة بينهم و أسباب هذا الاختلاف المطروح.
المطلب الثالث : التجربة .
التجربة ترتبط بمجال العلوم الطبيعية أو العلوم الحقة ,أما في العلوم الاجتماعية و منها العلوم القانونية خصوصا فمن المتعذر التجارب لتعقد الظاهرة الإنسانية كموضوع للدراسة و منه تحل المقارنة مكان التجربة .فقد إميل دور كايم " المقارنة تجريب غير مباشر"لأن الظاهرة الاجتماعية متغيرة في الزمان و المكان و هذا التغير يتطلب من الباحث استخدام أسلوب المقارنة ,عكس الظاهرة الطبيعية التي تتسم بالتباث.
المطلب الرابع :النتيجة :
البحث في العلوم الطبيعية يختلف عن البحث في العلوم الإنسانية و هذا الأمر بظهر بشكل جلي في النتيجة المحصل عليها :
فما يتم التوصل إليه في العلوم الطبيعية يطلق عليه اسم القانون . و ما يتم التوصل إليه في العلوم الإنسانية يطلق عليه اسم النتيجة النسبية.لأنه الباحث في العلوم الإنسانية هو جزء من الظاهرة المدروسة مما يؤدي إلى تكييف نتائج الدراسة وفقا لميولاته و لما يراه مناسبا.
المبحث الرابع :الأدوات الأساسية المتبعة في البحث العلمي .
هي العينة و الاستبيان و المقابة .
المطلب الأول :العينة .
العينة عبارة عن مجموعة جزئية من مجتمع الدراسة التي يتم اختيارها بطريقة معينة لإجراء الدراسة عليها , و بعد استخلاص النتائج يتم تعميمها على كامل مجتمع الدراسة الأصلي .
هناك نوعين كبيرين من العينة :
_العينة الاحتمالية :هي تلك العينة التي تعتمد على نظرية الاحتمالات أي احتمال وقوع الحدث ,بحيث يكون لكل عنصر من مجتمع البحث الأصلي حظ محدد و معروف ليكون من بين العناصر المكونة للعينة .يجب أن تكون لدينا قائمة تشمل كل عناصر مجتمع البحث المراد دراسته.
_العينة غير الاحتمالية :يقصد بها أن احتمال اختيار عنصر من مجتمع البحث غير معروف ,بحيث إنه من المستحيل أن نعرف منذ البداية حظ كل عنصر ضمن عينة محل الدراسة.
المطلب الثاني :الاستبيان
الاستبيان هو أداة أو وسيلة جمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث ,عن طريق إعداد استمارة يتم تعبئتها من قبل عينة ممثلة من الأفراد,و هذا الاستبيان يتضمن مجموعة من الأسئلة التي يطلب فيها من المبحوث الإجابة عنها بطريقة يحددها الباحث حسيب أغراض البحث.
يمكن للباحث أن يستخدم في مجال الاستبيان أنواعا مختلفة من الأسئلة منه:
1_الأسئلة المغلقة :و يمكن أن نطلق عليه الاستبيان المقيد ,بحيث يكتب تحت كل سؤال أجوبة متعددة ,على المجيب اختيار بعضها أو كلها .و يمتاز هذا النوع من الأسئلة بالمميزات التالية :
_الإجابة تكون محددة و موحدة الشيء الذي يمكن الباحث من المقارنة بسهولة _سهولة التصنيف و تبويب و تحليل الإجابة ,مما يوفر الوقت على الباحث.
أما عيوبها فهي :_تقيد المبحوث في إجابات محددة مسبقا _قد يغفل الباحث بعض الإجابات أو الخيارات.
2_الأسئلة المفتوحة :و يمكن أن نقول الاستبيان المفتوح ,و هنا يكون للمبحوث مطلق الحرية في الإجابة عن الأسئلة ,و تأتي الإجابات متنوعة تنوعا واسعا.ويستخدم هذا النوع من الأسئلة عندما لايتوفر الباحث على معلومات كافية و معمقة عن الظاهرة المدروسة أو المشكلة المطروحة.
مميزات الأسئلة المفتوحة هي :عدم تقييد المبحوث بأجوبة معينة و ترك الحرية له في كتابة ما يراه مناسبا من المعلومات.
عيوب الأسئلة المفتوحة :انها تطرح على الباحث صعوبات أثناء تصنيف الإجابات و تحليلها.
3_الاسئلة المغلقة المفتوحة :و يمكن أن نقول الاستبيان المقيد المفتوح .بحيث يختار المبحوث الإجابة الملائمة و يعلق عليها حسب ما يبدو له من وجهة نظره.فالباحث يطرح في البداية سؤالا مغلقا و يحدد فيه الإجابة المطلوبة ,و يكون المبحوث مقيدا باختيار الإجابة ,ثم بعد ذلك يتبعه بسؤال مفتوح يطلب فيه من المبحوث توضيح أسباب اختياره للإجابة معينة.
أ_الشروط الشكلية للاستبيان :
يجب تقسيم الاستبيان إلى ثلاث أجزاء:
_المقدمة :تتضمن التعريف بالباحث و أهمية البحث ,مع إعطاء ضمانات حول سرية المعلومات.
_معلومات و إرشادات حول تعبئة الاستبيان و هنا يدرج الباحث عنوانه لكي يستطيع المبحوث الاتصال به من أجل الاستفسار.
_المتن:يتضمن الأسئلة الموجهة للمبحوث.
ب_الشروط الموضوعية :
_صياغة الأسئلة يجب أن تكون بشكل واضح و بلغة سليمة و مناسبة لمستوى الفئات المستهدفة في البحث.
_التدرج في طرح الأسئلة من السهل إلى الصعب و من العام إلى الخاص.
المطلب الثالث :المقابلة .
المقابلة هي عبارة عن محادثة شفوية يقوم بها الباحث و يجمع من خلالها معلومات بطريقة شفوية مباشرة من المبحوث .و هي عبارة عن حوار يبدأ بخلق علاقة وئام بين الباحث و المبحوث من أجل أن يضمن الباحث الحد ألدنى من تعاون المبحوث.
1-تعريف المقابلة :
هناك تعريفات كثيرة منها :
_أنها لقاء يتم بين الشخص المقابل أو من ينوب عنه فيقون هذا الأخير بطرح مجموعة من الأسئلة على الأشخاص الذين تتم مقابلتهم وجه لوجه,و بتسجيل إجابتهم.
_هي محادثة و مواجهة بين الباحث و شخص أو أشخاص اخرين ,بهدف الوصول إلى حقيقة أو موقف معين ,من خلاله يسعى الباحث للتعرف عليه لإثبات أهداف الدراسة.
2-مزايا المقابلة:
_تعتبر أحسن وسيلة لجمع المعلومات في المجتمعات الأمية ووسط الأطفال و الأشخاص الذين لايستطيعون الكتابة.
_إمكانية توضيح الأسئلة للمبحوث في حال عدم فهمه للسؤال ,و تعطي للباحث فرصة الاستفسار إذا كانت إجابة المبحوث غير واضحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق