الأنظمة السياسية تنقسم لعدد من
الأشكال أو الأنواع وفق الفصل بين السلطات، وذلك وفق أسس فكرية لمبدأ الفصل
هذا، ولذا نجم عن بعض التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات، ولكن
التقسيم المشار إليه سابقا يأخذ منحنى آخر عند النظر إليه من وجه ممارسة
السيادة، وذلك الحال بالنسبة لمصدر الانتخابات، عزز المقارنات السابقة
بالنظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية؟
*تقسيم الأنظمة السياسية وفق فكرة الفصل بين السلطات
لم يكن في القديم جدوى من الأخذ بفكرة الفصل بين السلطات، لأن المجتمع السياسي كان صغيرا وحاجاته محدودة حيث أن رئيس العشيرة والمدينة الصغيرة يحل ويفصل في كل الأمور المتعلقة بشؤون رعيته بمساعدة بعض أقربائه وأعوانه، ولكن مع توسع المجتمع السياسي عدداً وتعقد الحياة الاجتماعية أدت إلى أن تتولى عدة هيئات ممارسة واجبات ووظائف لتسير الأمور المتعلقة بالمجتمع السياسي، فالسلطة واحدة ولكن ممارساتها تعدد بوجود عدة هيئات تفصل وتحدد نوعية العلاقات والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد.
ولاحظ بعض المفكرين أن تحديد عمل السلطة السياسية في المجتمع يتم من خلال ثلاث وظائف يتم مزاولتها من قبل عدة هيئات أو من قبل هيئة واحدة حسب ما وصل إليه المجتمع من تنظيم وتقسيم للعمل:
أ. الوظيفة التنفيذية:هي الجهة التي تتولى مراقبة مدى تطبيق الأوامر والقواعد والقوانين المتعلقة بالمجتمع السياسي.
ب. الوظيفة التشريعية:هي التي تتيح للسلطة تكوين وإيجاد قواعد الحق الموضوعي إذ أن قواعد القانون هي حكم قاعدة لمتابعة سلوك الأفراد في المجتمع لضمان المصلحة العامة التي يتوخاها النظام السياسي عن طريق الاستقرار والتعامل والمعاملات بين أفراد المجتمع ضمن الدولة.
ت. الوظيفة القضائية:فإن عمل القضاء ينصب في تفسير روح القانون وتطبيق النصوص القانونية في حالات المنازعات الحاصلة بين الأفراد والهيئات الرسمية في المجتمع السياسي رغم من وجود علاقة وطيدة بين الوظيفة التنفيذية والقضائية.
• الأسس الفكرية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن المبادئ الديمقراطية الليبرالية عند ظهورها دعت للحد من السلطة الفردية للملوك، وتأمين حقوق وحريات الأفراد، هذا مما دعا بعض المفكرين إلى صياغة النظريات الفكرية الداعية لضرورة تقسيم السلطات إلى أقسام للحد من كل تداخل السلطات فيما بينها، ولضمان عدم تعسف السلطة على حساب حريات وحقوق الأفراد، ولكن يطرح سؤال كيف يتم منع تعسف كل سلطة على حده؟
بطبيعة الحال الفرد أو الهيئة الواحدة عندما تمتلك جميع أجزاء السلطة فإنها تستطيع وضع القوانين بنفسها، ومن ثم تنفيذ وتفسير ما تراه مناسباً وفق مصلحتها دون رقيب أو مانع من توقيفها، وهذه الحالة كانت موجودة في عهد الملوك الأوربيين ذوي الحكم المطلق أثناء القرن السابع والثامن عشر، مما دعى المفكرين من أمثال لوك ومنتسكيو وروسو إلى الدعوة لإقامة نظام تقوم دعائمه على فكرة الفصل بين السلطات، وتتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها, وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم، ويؤكد ذلك رجال الثورة الفرنسية قالوا أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات تفقد أساسها الدستوري، فأول دستور وضع بعد الثورة الفرنسية في 3 كانون الأول 1972م، يكرس بصورة مطلقة وجود ثلاث سلطات منفصلة ومستقلة الواحدة عن الأخرى، ونص دستور ولاية ماسوشوسيت 1780 على أن لا تمارس الهيئة التشريعية مطلقاً سلطات الهيئتين التنفيذية والقضائية أو إحداها، وأكد منشور الفدراليين في الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة الفصل بين السلطات لمنع التعسف المطلق، المؤدي إلى إساءة استعمال كل سلطة على حدة.
أ. عند أرسطو و جون لوك:
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة،و منع الاستبداد بالسلطة.
وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي كأفلاطون وأرسطو، دور هام في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات، إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الاضطرابات و الثورات للتمرد على هذا الاستبداد.
أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد الثورة الجليلة ل 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية، كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.
و ما يؤخذ على أفكاره هو أنه لم يقدم لنا إلا صورة لما كان سائدا في انجلترا و أنه أيضا لم يقدم لنا سوى تمييزا بين الوظائف.
ب) عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748.
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسكيو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية و قضائية. لكن الفكرة الأساسية التي عالجها في كتابه هي أن قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع به أو حتى لا يساء استعمالها يجب بمقتضى الأمور إقامة توازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال الأخرى عندما تمارس عملا له علاقة بأعمال أخرى.
و قد أحسن مونتسكيو بأهمية هذا التعاون، فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة faculté d empêcher و سلطة الردع faculté de statuer الحكم أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
ومن هنا يمكننا القول أن نظرية مونتسكيو تضمنت النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.
تقسيمات الأنظمة السياسية حسب ممارسة السيادة
فالسيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو في القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة و توجد ثلاث نماذج على وجود التصويت كمعيار تعتمد عليه النظم لتيسير شئونها:
1- نظام الحكم السياسي المباشر – الديمقراطية المباشرة .
2- النظام التمثيلي – الديمقراطية النيابية .
3- النظام شبه المباشر – الديمقراطية شبه المباشرة.
و توجد كذلك أنواع أخرى من الأنظمة السياسية التي تعتمد أصلا في نشوئها أو ممارستها على الانتخابات و التي يفترض قيامها لأسباب مختلفة و من هذه الأنظمة:
1- النظام الفردي : ترتكز السلطة بيد الفرد سواء ملكا أو رئيسا.
2- نظام حكم القلة : نظام وسطي بين حكم الفرد و الجماعة.
3- النظام الثوري و الانقلابي : هذا النظام يحصل على السلطة من خلال الانقلاب و الثورة .
4- النظام المختلط: يتكون من هيئتين هيئة سياسية منتخبة و هيئة سياسية غير منتخبة يعملان جنبا إلى جنب.
خصائص هذه الأنظمة:
1- عدم الاعتماد في اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم لسيادتها وقتية أو دائمة.
2- اقترنت أكثر هذه الأنظمة بظهور السلطة المتسلطة و الفردية كنتيجة للظروف الخاصة للمجتمع.
* التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن تفسير مبدأ الفصل بين السلطات أدى إلى نشأة نظامين متوازنين ومختلفين النظام الأول مستوحى من الفصل المطلق بين السلطات وهو النظام الرئاسي، والنظام الثاني هو تطبيق الفصل المرن بين السلطات وهو النظام البرلماني، وسنعرض لكل من هذين النظامين وخصائصهما وأهم تطبيقاتهما في العالم المعاصر ونظام حكومة الجمعية أو النظام المجلسي.
أ. النظام الرئاسي
تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.
إن الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة 1787، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
خصائص النظام الرئاسي:
1. وحدة السلطة التنفيذية: يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو الرئيس الأمريكي الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ويساعد الرئيس عدة من السكرتيرين، وهم يقابلون الوزراء في النظام البرلماني، إلا أنهم لا يملكون سلطة في إصدار القرارات. ويستمد الرئيس سلطاته من كونه منتخباً من الشعب في مجموعه، ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركز قوي. وهو مستقل عن الكونجرس الذي لا سلطة له في اختياره، كما أنه لا يملك مساءلته سياسياً.
2- يعين الرئيس السكرتيرين ويعزلهم، كما أن السكرتيرين لا يكونون مجلس وزراء مستقل عن الرئيس. ومن ناحية أخرى ليس للسكرتيرين حق أن يكونوا أعضاء بالكونجرس؛ إذ لا يجوز الجمع بين سكرتارية الوزراء وعضوية البرلمان أي الكونجرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
3- للرئيس أن يقترح قانوناً وخاصة في رسالته السنوية التي يوجهها إلى الكونجرس، والتي تعتبر بمثابة برنامج تشريعي للسنة التالية، ولكن البرلمان يستطيع أن يرفض اقتراح الرئيس حتى لو تعلق الأمر بالميزانية، ولا يملك الرئيس وسيلة لإجبار الكونجرس على الموافقة على اقتراحاته.
4- لا يملك الكونجرس أن يحرك مسئولية الرئيس السياسية أو مسئولية أي من الوزراء أي السكرتيرين. وفي مقابل ذلك لا يملك الرئيس حل الكونجرس.
5- تتخصص كل سلطة في الوظيفة المعهود بها إليها: فالسلطة التنفيذية يتولاها الرئيس. وكل المهام التشريعية يتولاها الكونجرس، أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام. هذا مع مراعاة أن هناك استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات بعضها تجد مصدرها في الدستور نفسه مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين التي وافق عليها الكونجرس وحق مجلس الشيوخ في الاعتراض على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين. وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي مثل حق الرئيس في اقتراح التشريعات عن طريق رسائل يبعث بها إلى الكونجرس.
ب. النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزارة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الوزارة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين.
وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. إذ بينما يحظر على الرئيس الأمريكي اقتراح القوانين، يجوز للحكومة في ظل النظام البرلماني أن تقدم مشروعات قوانين البرلمان، بل إن أكثر من 90% من التشريعات في النظم البرلمانية ذات أصل حكومي.
أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وأيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسكلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلندة وفي أمريكا الشمالية كندا.
خصائص النظام البرلماني:
1. ثنائية السلطة التنفيذية: من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية، إذ يوجد رئيس دولة، سواء أكان ملكاً أم رئيس جمهورية، يسود ولا يحكم وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئولاً أمام البرلمان.
2. مسئولية الوزارة: تسأل الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية. وتعتبر المسئولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز النظام البرلماني.
3. البرلمان مكون من مجلسين غالباً: ففي إنجلترا يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم وكذلك الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة التي أوردنا تعداداً لها فيما سبق. غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمراً ضرورياً لكي يعتبر النظام برلمانياً.
4. التوازن النظري بين السلطات: وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير. فالسلطة التنفيذية لا تتدخل في اختيار أعضاء البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ولكن للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد وحق فض دورات انعقاده. ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها. وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة حسب الأحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
هذه هي المعالم الرئيسية للنظام البرلماني الذي ازدهر في القرن التاسع عشر وكان موضع إعجاب الكثير من الكتاب الأوربيين التقليديين الذين لا يزالون يحلمون بعودة هذا النظام باعتباره نظاماً متوازناً.
غير أن هذا التوازن النظري بين السلطة لم يكن مطبقاً من الناحية العملية بشكل جامد ويمكن من الناحية التاريخية أن نقول أن البرلمانية مرت بمراحل ثلاث:
مرحلة البرلمانية المزدوجة المتوازنة ثم مرحلة البرلمانية التي يغلب فيها البرلمان مصحوباً بمسئولية الحكومة أمامه وأخيراً المرحلة المعاصرة وهي البرلمانية التي تسود الآن في إنجلترا ولا يمكن أن تثور في ظلها مسئولية الوزارة أمام البرلمان بسبب تكوين الحكومة الإنجليزية ودور الحزبيين السياسيين في إنجلترا.
1. أما عن البرلمانية المزدوجة المتوازنة فهي تلك التي سادت في ظل الملكيات غير المطلقة كان الحكم مقسماً بين قطبين سياسيين هامين هما رئيس الدولة والبرلمان، وكان التوازن هو السمة الغالبة على العلاقة بين هذين القطبين وهذه هي البرلمانية التي سادت في إنجلترا قبل حكم الملكة فيكتوريا وفي ظل ملكية يوليوز في فرنسا.
2. وأما عن البرلمانية المطبوعة بالمسئولية الوزارية فهي تلك التي تحددت معالمها بعد الحرب العالمية الأولى وفي ظل هذه البرلمانية كانت السلطة مركزة في يد البرلمان الذي كان يلعب أهم دور في الحياة السياسية وهذا الدور يكتسب أهمية من أن الحكومة كانت نابعة من البرلمان. فالأغلبية البرلمانية هي التي تكون تشكيل الحكومة ومن هنا كانت الحكومة مجرد لجنة منبثقة عن البرلمان.
ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تولي مهام السلطة التنفيذية إلا إذا كانت محل رضاء البرلمان لأنها مسئولة أمامه. أي أن المسئولية الوزارية أمام البرلمان كانت هي المعيار الكافي للحكم على النظام بأنه برلماني وإذا ما فقدت الحكومة ثقة البرلمان فإنها من الناحية القانونية تكون مرغمة على تقديم استقالتها.
3- البرلمانية المعاصرة: في وقتنا الحاضر تعدت البرلمانية هاتين المرحلتين. والمثال الواضح على ذلك هو النظام الإنجليزي، فلم تعد المسئولية الوزارية أو التوازن بين السلطات هي معيار الحكم على النظام بأنه برلماني. ذلك أن نظام الحزبين في إنجلترا غير الوضع فالحكومة الإنجليزية هي لجنة مكونة من حزب الأغلبية داخل مجلس العموم البريطاني. ولذا فإن الحزب الحاكم يسيطر على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل هاتين السلطتين هيئة واحدة من الناحية العضوية كما أن المسئولية الوزارية أمام مجلس العموم لا تنعقد من الناحية العملية، لأن الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة حتى لا يضر بمصالح الحزب، والآن حل محل هذه المسئولية أمام البرلمان أن يحتكم رئيس الوزراء إلى الشعب بحل البرلمان في وقت مبكر وإجراء انتخابات جديدة بحيث تصبح مساءلة الحكومة مباشرة أمام هيئة الناخبين لا أمام البرلمان.
وإذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة.
فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات، أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غير متناسقة وغير ثابتة، ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الوزارة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها، وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا.
ج- النظام المجلسي : حكومة الجمعية
يقوم هذا النظام على تركيز السلطتين التشريعية و التنفيذية استنادا إلى فكرة وحدة السيادة في الدولة.
و يمكن حصر خصائص هذا النظام في ناحيتين :
1- تبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية :باعتبار هذه الأخيرة ممثلة الشعب، و نظرا لصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية بنفسها فإنها تختار لجنة تنفيذية من بين أعضائها، لهذا الغرض و بالتالي فإن الهيئة التنفيذية تكون خاضعة للجمعية النيابية تعمل تحت إشرافها ورقابتها و هي مسؤولة أمامها.
2- عدم تأثير الهيئة التنفيذية على السلطة التشريعية :مادامت الهيئة التنفيذية بنفسها تابعة للسلطة التشريعية فإنها لا تملك نحوها أية حقوق كحق حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو تأجيل اجتماعه.
و في الوقت الحالي يمكن القول أن نظام حكومة الجمعية له تطبيق وحيد في الديمقراطيات الغربية هو النظام السياسي في سويسرا.
النظام السياسي في سويسرا
سويسرا : دولة اتحادية مكوّنة من 7 مقاطعات و 30 نصف مقاطعة، و تقرر هذا الإتحاد بصفة رسمية 1848، بعد انتهاء الحرب الأهلية التي دامت سنتين تغلب فيها الأنصار الذين كرّسوا أفكارهم في دستور 1848، و تعتمد سويسرا مبدأ الحياد الدّائم.
و تتميّز سويسرا بأنها تطبق الديمقراطية شبه المباشرة، بشكل واسع مع تطبيق بقايا الديمقراطية المباشرة في 3 مقاطعات صغيرة. و في المجال السياسي تأخذ بنظام حكومة الجمعية الاتحادية (الفدرالية)، و المجلس الاتحادي أو الفدرالي.
1- الجمعية الاتحادية : (الفدرالية): البرلمان:
تتكوّن من مجلسين هما :
أ- المجلس الوطني :
يمثل شعب الإتحاد على أساس نائب واحد لكل 25 ألف مواطن، و ينتخب هذا المجلس لمدة 4 سنوات وفقا لنظام التمثيل النسبي و يبلغ عدد أعضائه 200 نائبا.
أ- مجلس المقاطعات أو الولايات أو الدويلات :
يمثل هذا المجلس المقاطعات بمعدل نائبين لكل مقاطعة و نائب واحد لكل نصف مقاطعات و هذا بغض النظر عن الكثافة السكانية.
- اختصاصات الجمعية العامة:
يتولّى بالإضافة إلى سن القوانين المهام الآتية :
1- انتخاب المجلس الفدرالي
2- انتخاب رئيس الإتحاد.
3- تعيين أعضاء المحكمة الفدرالية.
4- تعيين قائد الجيش.
5- حل الخلافات المتعلقة باختصاصات السلطات الاتحادية.
2- المجلس الاتحادي : الفدرالي
يتولى هذا المجلس مهام السلطة التنفيذية و هو يتألف من 7 أعضاء تنتخبهم الجمعية الاتحادية بالأغلبية المطلقة لمدة 4 سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا للإتحاد لمدة سنة فقط غير قابلة للتجديد مباشرة يقوم رئيس المجلس الاتحادي بوظيفة رئيس الدولة إلاّ أن سلطاته شرفية فقط فهو لا يتميّز عن بقية أعضاء المجلس الفدرالي.
- صلاحيات المجلس الاتحادي:
أ. يمارس هذا المجلس السلطة الحكومية بصفة جماعية و لا يستطيع الاجتماع إلاّ بحضور 4 من أعضائه و يتولّى كل عضو وزارة من الوزارات.
ب. بإمكان المجلس تقديم مشاريع قوانين و كذلك تقديم تقارير بناءا على طلب من الجمعية الاتحادية.
ج. نشير إلى أن الجمعية الاتحادية لها الحق في توجيه الأسئلة و الاستجواب إلى أعضاء المجلس الاتحادي و في حالة سحب الثقة منه فإنه لا يقدم استقالته و لكن هو ملزم بأن يعدّل سياسته طبقا لرغبة الجمعية الاتحادية.
التقسيم من جهة ممارسة السيادة:
السيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة، ويندرج تحت هذا النوع أنظمة عديدة من الحكومات التي عرفت قديما وحديثا على شكل ملكية كانت أم جمهورية ذات مضمون ليبرالي أو كلي، بشكل مؤقت أو دائم، فتوجد أربع نماذج رئيسية حيث مصدر سلطتها غير الانتخابات وهي:
نظام الحكم الفردي: يقصد به تركيز السلطة أو السيادة في هذا النظام بيد الفرد ملكاً كان أو رئيس جمهورية مكرس سلطته في وثيقة أم لا، فالسيادة تعود للفرد الواحد يمارسها حسب مشيئته، وهذا النوع من النظام عرف سابقا حيث أن سلطة الملك مستمدة من فكرة الحق الإلهي أو التفويض الإلهي، عرف عن لويس الرابع عشر بأن الدولة تعود له "الدولة هي أنا".
النظام الثوري أو الانقلابي: ويقصد به سلطته تسمد من خلال الثورة أو الانقلاب فلا تعتمد على الانتخابات في ممارسة السلطة.
نظام حكم الأقلية: هذا وسط بين حكم الفرد وحكم الجماعة تقوم فئة قليله ممارسة السلطة عن الآخرين في حصرها بين يديها، لتمشية أمور المجتمع وحكم الأقلية سابق على حكم الديمقراطي.
النظام المختلط: هو تعايش هيئات سياسية منتخبة بجانب هيئات غير منتخبة، فوجود ملك غير منتخب ومجلس برلماني منتخب كما وجد في انجلترا وفي أغلبية أنظمة الحكم الملكية في العالم، فالبرلمان بمجلسين منتخب وآخر غير منتخب.
خصائص هذه النماذج من الأنظمة السياسية هي:
عدم الاعتماد على اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم للسيادة.
اعتمادها على الفردية والتسلط وممارسة السلطة مرتبطة بظروف خاصة في المجتمع الذي يعيش فيه.
* تقسيم الأنظمة السياسية مصدرها الانتخابات:
تنقسم إلى أنواع وهي:
أولاً: الانتخاب غير المباشر
اقتران هذا النوع من الانتخاب غير المباشر بالنظم المرجعية، حيث تلجا بعض الدساتير إلى هذه الوسيلة في اختيار الحكام بحيث تجعل سلطة الاختيار الحقيقي في يد فئة خاصة يسهل التأثير عليها. والانتخاب غير المباشر هو الانتخاب الذي يجري على درجتين أو ثلاث درجات، حيث يقتصر دور الناخبين على اختيار مندوبين عنهم يتولون مهمة اختيار أعضاء البرلمان والحكام، ويرى جانب من الفقه الأمريكي أن هذه القلة المختارة تملك المعلومات الكافية عن المرشحين بما يمكنه من اختيار الصالح والأصلح، وقيل إنه يمتاز بأنه يقلل من ضرر الاقتراع العام وذلك لأن المواطن العادي كثيراً ما يجهل كفاءة المرشحين أما الانتخاب غير المباشر فأنه يجعل الانتخاب بيد فئة مختارة تعد كفاءة المرشحين(1).
تقييم نظام الانتخاب غير المباشر
بصفة عامة فإن الفقه الدستوري يرى في الانتخاب غير المباشر وسيلة غير ديمقراطية لاختيار الحكام (2)، ربما لأنها تحمل بعض الشك في ملكات الشعب ووعيه السياسي أو لأن الانتخاب غير المباشر يقترن غالباً بالاقتراع المقيد، إذ يشترط القانون في الناخب المندوب شرط النصاب المالي أو الكفاءة أو الانتماء الأسري، هذا إضافة إلى أن الانتخاب غير المباشر يفسح المجال أمام الحكومة للتلاعب بنتائج الانتخابات، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت سنة 2000 أهملت اللجنة المشرفة على الانتخابات في ولاية فلوريدا مئات الآلاف من أصوات الناخبين بحجة عدم وضوحها الأمر الذي رجح كفة الرئيس جورج بوش الابن على خصمه الديمقراطي آل جور
ثانياً : الانتخاب المباشر
قيل بأنه أقرب إلى الديمقراطية لأن الشعب يتولى بنفسه اختيار حكامه ومندوبين عنه في المجالس، والانتخاب المباشر هو النظام الذي يقصد به قيام الناخب باختيار النائب بصورة مباشرة دون وساطة ناخبين ثانويين، ويطلق على هذه الطريقة في الانتخاب، الانتخاب على درجة واحدة
تقييم نظام الانتخاب المباشر
الملاحظ أن غالبية النظم الانتخابية اتجهت في الوقت الحاضر إلى جعل الانتخاب على درجة واحدة، للمزايا التي يتمتع بها، إذ يبيح لغالبية الأفراد انتخاب الحكام بأنفسهم وهذا يزيد من اهتمام الشعب بالأمور العامة ويشعره بمسئوليته ويرفع مداركه، والنظام الانتخابي المباشر أكثر ديمقراطية من الانتخاب غير المباشر وأقل كلفة منه، كما أنه يجعل الناخب على صلة مباشرة بالنائب، مما يدفع الأخير إلى السعي إلى تمثيل النائب تمثيلاً حقيقياً في المجلس النيابي رغبة في اختياره لدورة نيابية ثانية، ومثل هذه الصلة غالباً ما تضعف في النظم التي تأخذ بالانتخاب غير المباشر.
ثالثا: الانتخاب الفردي
في الانتخاب الفردي، تقسم الدولة إلى عدد من الدوائر الانتخابية، مساو لعدد النواب الذين يتألف منهم المجلس، ولكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، وليس للناخبين التصويت لأكثر من مرشح واحد، ونظام الانتخاب الفردي هو الذي أخذ به قانون الانتخابات اليمني، حيث قسمت البلاد إلى دوائر انتخابية متساوية من حيث التعدد السكاني ويمثل كل دوائره نائب واحد في مجلس النواب ويختار الناخبون المرشح عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر
تقييم نظام الانتخاب الفردي
أثار موضوع الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة وما زال يثير الكثير من النقاش ، بالرغم من مضي مدة طويلة على ظهور هذا النظام ، نظراً لما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات. فقد أشار أنصار نظام الانتخاب الفردي إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحقق هذا النظام توازناً كبيراً بين المصالح المختلفة، على خلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي غالباً ما يفسح المجال أمام أحد الأحزاب للاستحواذ على كافة المقاعد النيابية.
كما يتسم هذا النظام بالبساطة، إذ يختار الناخب نائباً واحداً في دائرته الانتخابية الصغيرة مما يمكنه من اختيار أكفأ المرشحين، بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي يشتت الناخب بين عدة مرشحين لا يكون في الغالب على معرفة كافية بهم. كما يمنح هذا النظام الناخب المزيد من الحرية والاستقلالية في اختيار النائب، إذ يقلل من هيمنة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين، في حين يخضع غالباً نظام الانتخاب بالقائمة الناخب لسيطرة الأحزاب السياسية ويحد من حريته في الاختيار بين المرشحين.
ويسمح نظام الانتخاب الفردي للنائب بالإطلاع على احتياجات دائرته الانتخابية ويمكنه من معرفة المشاكل التي تعاني منها بحكم كونه من سكانها غالباً. ويحقق هذا النظام المساواة بين الدوائر الانتخابية كونه يقسم الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة ناخب واحد.
الانتقادات الموجهة للانتخاب الفردي
يجعل الاختيار قائما على أساس المفاضلة بين الأشخاص لا بين المبادئ والأفكار. كما يجعل المرشح أسير الدائرة الانتخابية ويركز عنايته لخدمة مصالحها ويغفل مصالح البلاد.
رابعا: الانتخاب بالقائمة
الانتخاب بالقائمة هو: تقسيم الدولة إلى عدد قليل من الدوائر الانتخابية الكبيرة الحجم، ويمثل الدائرة الواحدة عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة تثبت فيها أسماء المرشحين وبالعدد الذي يحدده القانون. ويثير الانتخاب بالقائمة التساؤل بشأن حرية الناخب في تكوين قائمته الانتخابية، فهل يلزم بالتصويت على القائمـة كما طرحها الحزب السياسي، أم للناخب المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة وإنشاء قائمته الانتخابية الخاصة؟ للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الدول انقسمت في ذلك بين ثلاثة أنظمة .
النظام الأول: نظام القائمة المغلقة وفي هذا النظام يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الحزبية، دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل عليها، سواءً بالإضافة أو الحذف أو بإعادة ترتيب الأسماء.
النظام الثاني: نظام المزج بين القوائم وفي هذا النظام يكون للناخب الحرية في تكوين قائمته الانتخابية، عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في قوائم الانتخابات المختلفة.
النظام الثالث: نظام إعادة ترتيب القوائم ووفقاً لهذا النظام للناخب إعادة ترتيب أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة التي اختارها، دون أن يكون له المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة
مسوغات الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة
خلافاً لما ذهب إليه أنصار نظام الانتخاب الفردي ، أشار أنصار نظام الانتخاب بالقائمة إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحرر النائب من سيطرة الناخب ولا يدع مجالاً لتحكم العلاقات الشخصية، مما يجعل الاختيار قائماً على أساس كفاءة النائب وما يمكن أن يقدمه لناخبيه. ويزيل هذا النظام بالانتخابات عن كل ما من شأنه المساس بنزاهتها واستقلاليتها كالضغط على الناخبين أو إغوائهم أو التغرير بهم، على خلاف الحال في نظام الانتخاب الفردي الذي يفسح المجال واسعاً أمام الرشوة الانتخابية ويسهل على رجال الإدارة التدخل في الانتخابات ونتائجها. وإن نظام الانتخاب بالقائمة يوسع من الخيارات المتاحة أمام الناخب في اختيار النواب بحكم تعددهم، خلافاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يضيق من هذه الخيارات إذ لا يجد الناخب في الكثير من الأحيان بداً من التصويت لنائب معين بحكم العلاقات الشخصية أو الانتماء الأسري أو الإقليمي. كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يجعل المفاضلة بين نائب وآخر تقوم على أسس موضوعية مردها الموازنة بين المبادئ والأفكار المختلفة لا بين الأفراد كما في الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة.
وبعد استعراضنا للحجج التي ساقها دعاة نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة ، تبين لنا أن كل نظام تسجل له إيجابيات وعليه سلبيات ولا يمكن من حيث الواقع تفضيل أحد الأنظمة على الآخر ، فقد ينجح النظام في دولة معينة ويفشل في أخرى، إذ يتوقف الأمر على وعي الناخبين ونضجهم السياسي وعراقة تجربة الدولة الانتخابية وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خامسا: نظام الأغلبية
بموجب هذا النظام يعد فائزاً في الانتخابات المرشح أو المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية، ويمكن تطبيق هذا النظام في حالة التصويت الفردي والتصويت على القائمة أي انتخاب عدة نواب في منطقة واحدة.
فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات، أما إذا كان التصويت على قائمة، كانت القائمة فائزة بجميع مقاعد الدائرة الانتخابية متى حصلت على أكثرية الأصوات.
تقدير نظام الأغلبية
يذهب غالبية الفقه الدستوري إلى أن هناك تلازماً حتمياً بين نظام الأغلبية ونظام الثنائية الحزبية، لأن هذا النظام يؤدي في المدى الطويل على الأقل إلى التقليل من عدد الأحزاب، فيندمج بعضها في بعض حتى ينتهي الأمر إلى وجود حزبين كبيرين يتبادلان الأغلبية البرلمانية على امتداد السنين، وخير مثال على ذلك النموذج الأمريكي والبريطاني، حيث يأخذ كل منهما بنظام الحزبين الكبيرين، ونظام الأغلبية في الانتخابات، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن نظام الأغلبية لا يمكن العمل به في ظل نظام التعددية الحزبية، فقد أخذ به قانون الانتخاب الألماني الصادر في 15 يونيو 1945 ، كما أخذ به المشرع الأردني في كافة قوانين انتخاب مجلس النواب، وفي قانون الانتخابات اليمني يعتبر فائزا في الانتخابات المرشح الذي يحوز على أكثر الأصوات عدداً.
مميزات نظام الأغلبية
الواقع أن أهم ما يتميز به هذا النظام هو: البساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة، مما يؤدي في النهاية إلى استقرار الحكومات. ويجعل هذا النظام الناخب على معرفة بجميع المرشحين المتنافسين في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه تقليص تأثير الأحزاب السياسية على آراء واتجاهات الناخبين.
عيوب نظام الأغلبية
إن ما يسجل على هذا النظام ، أنه قد يتنافى مع الديمقراطية الحقة، كما أن نتائجه قد لا تتسم بالعدالة كونه يضع القوة السياسية في يد الطبقة التي تظفر بها، ويترتب على ذلك إهمال ما عداها من الطبقات التي قد يكون بعضها ذات أهمية كبيرة مما يجعل المجلس النيابي المنتخب بعيداً عن أن يكون ممثلاً لجميع طبقات الأمة، وما لم تمثل الأقلية في المجلس فإن الحكومة لا تكون حكومة ديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة، بل تكون حكومة طبقة ممتازة تفرض سلطاتها على كل من يخالفها في الرأي.
سادسا: نظام التمثيل النسبي
يقصد بنظام التمثيل النسبي منح كل حزب أو اتجاه عدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها.
ولم يتم تبني هذا النظام إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على إثر تعالي الأصوات المنادية بالعدول عن نظام الأغلبية، كونه لا يمثل اتجاهات الرأي العام تمثيلاً حقيقياً في البرلمان، كما أنه يحابي الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وقيل بحق إن نظام التمثيل النسبي وحده هو الذي يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية بين الأغلبية والأقلية.
وانقسم رأي الفقه بشأن إمكانية تطبيق هذا النظام في ظل نظام الانتخاب الفردي إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول : يرى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه إلا مع نظام الانتخاب بالقائمة لأنه بحكم طبيعته يتطلب عدة مقاعد توزع بنسبة معينة، كما أن نظام القائمة يفترض تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة
الاتجاه الثاني : يذهب الاتجاه الثاني إلى أن نظام التمثيل النسبي يمكن تطبيقه في ظل نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وهو ما يجري عليه العمل في جمهورية أيرلندا منذ نشأتها وفي أستراليا في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنة 1949.
مزايا نظام التمثيل النسبي
إن أهم ما يتميز به هذا النظام أنه: يسمح بتمثيل كافة اتجاهات الرأي العام والأحزاب السياسية في البرلمان، وقيل إن هذا النظام أكثر عدالة من نظام الأغلبية، كونه يضمن لكل حزب عدداً من المقاعد في المجلس النيابي يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. ويؤمن هذا النظام المحافظة على الأحزاب السياسية وينميها، وفي ذلك ترسيخ لمفهوم التنافس السياسي المشروع ويجنب البلاد الأزمات الناشئة عن التنظيمات السياسية غير المشروعة كالمنظمات والأحزاب السرية. بل يشجع الناخـب علـى الإدلاء بصوته ولمن يشاء من الأحزاب السياسية، فالناخب قد يعرض عن المشاركة في الانتخابات حينما يرى أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات لا تمثل رأيه، أو حينما يخشى إهدار صوته لكونه يدلي به لحزب ليست له إلا شعبية محدودة .
عيوب نظام التمثيل النسبي
الكثير من الدول أعرضت عنه نظراً للسلبيات التي تسجل عليه ومنها: أنه قد يجعل الناخب غير قادر على الاختيار بين عدد كبير من المرشحين. ويشجع الأحزاب السياسية على التعدد إلى أقصى حد، فكل جماعة مهما قل عددها تستطيع أن تكون حزباً، فهي لن تهدر صوتاً هنا أو هناك ليكون لها في النهاية مقعداً تحصل عليه في المرحلة الثانية إن لم تستطع الحصول عليه في المرحلة الأولى . وهذا النظام يشتت مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب وهو أمر غير مرغوب فيه كونه لا يهيئ السبيل لأي حزب للحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي الأمر الذي يعقد مهمة تشكيل الوزارة، والمعلوم أن تشكيل الوزارة من أكثر من حزب واحد يعني عدم الانسجام السياسي، بل إن ريح الخلافات قد تعصف بها بعد فترة قصيرة من تشكيلها، وهذا ما حدث لحكومة 1990 في الجمهورية اليمنية والتي شكلت من ثلاثة أحزاب هي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي . والمأخذ الأكبر المسجل على هذا النظام، أنه يجعل بعض القيادات الحزبية تحتفظ بعضوية دائمة أو طويلة في البرلمان، بغض النظر عن الشعبية التي يتمتع بها الحزب ارتفاعاً وهبوطاً، فأي حزب على درجة من الانتشار لا بد أن يحصل على بعض الأصوات هنا وهناك، ومن تجميع هذه الأصوات سوف يحصل على بعض المقاعد النيابية، وما عليه إلا أن يضع في مقدمة مرشحيه بعض الأسماء التي يكاد أن يكون متأكداً من التصويت لها ودخولها في المجلس النيابي، وهذا الوضع من شأنه خلق بعض النواب غير القابلين للعزل.
النظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية:
اتبع عدد كبير من الكتاب تقسيمات الأنظمة السياسية اعتمادا على نظرية الفصل بين السلطات و حسب منطق فكرة السيادة و رغم مكانة هذه النظريات في التحليل السياسي فبالإمكان اتخاذ نماذج أخرى للتقسيمات المتعلقة بالأنظمة السياسية و على أساس عموميتها و شمولها بصورة أكثر من النظريات التقليدية في تحديد أنواع الأنظمة السياسية في العالم فمن جهة يظهر لنا التحليل السياسي الحديث بعدم انطباق النظريات التقليدية على الممارسات المبدئية للنظم السياسية التقليدية و نعني بذلك بتطور الأحزاب و انتشارها و تأثيرها المباشر على نماذج الحكم التي ممكن أن توجد بإشكال مختلفة و إذا اقترن مفهوم الفصل بين السلطات مع نشوء و تطور الأنظمة الليبرالية فنرى الوقت الحاضر أن هذه الأنظمة نفسها تنزع إلى ممارسة تختلف كثيرا إذا لم نقل كليا عن منظور الفصل بين السلطات التي أريد لها العيش لحفظ الحرية السياسية مع وجود سلطة ملكية عرف عنها أنها مستبدة و حتى إذا حاكينا نظرية الفصل بين السلطات حسب مفهومها فكيف نفسر استمرارية فعالياتها و صحة فرضيتها في حالة تبدل النظام الفردي إلى حكم الشعب فحري بالشعب في هذه الحالة أن يمتلك جميع السلطات و عندئذ يمكن القيام بفصل السلطات التي يمتلكها الشعب و هذا ما نحى إليه الفكر الاشتراكي في رفضه الانتقاد لاتخاذه مبدأ الوحدة و التفويض العمودي للسلطة و الذي يوفق في هذه الحالة بين التحليل النظري و بين الضرورة العملية.
التمثيل البرلماني المزدوج:
عرفت البرلمانات بشكلها الأحادي و بشكلها الثنائي أي عندما تتشكل السلطة التشريعية من مجلسين و حسب التسمية المعطاة لكل منهما فهناك المجلس الأعلى و المجلس الأدنى و مجلس الشيوخ و مجلس النواب( وجود مجلس ثاني يعتبر نتيجة منطقية لتكوين الدولة الاتحادية) و لكن ثنائية المجلسين وجدت في دول بسيطة في بريطانيا و فرنسا ففي بريطانيا يعود أصل وجود الثنائية إلى تمثيل الفرسان ممثلي الريف و البرجوازية ممثلي المدن إلا أن سلطة الروردات تقلصت إلى الحد الذي جعلت من مجلسهم مجرد واجهة أما في فرنسا فان نظام المجلسين قد حافظ على مساواة كل مجلس بالأخر في السلطة و الاختصاصات بحيث يتعين موافقة المجلسين على مشروع أي قانون يعرض أمامهما فبالرغم من موافقة أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية على مشروع قانون يتعلق بالتعليم الرسمي فان موقف مجلس الشيوخ السلبي إزاء مشروع القانون هذا قد أوقف إمكانية الأخذ به لهذا فان وجود مجلسين بصلاحيات واحدة قد يعرقل العملية التشريعية و لهذا فان أنصار المجلس الواحد يؤيدون عدم الأخذ بنظام المجلسين لأنه لا يتفق مع نظرية السيدة الشعبية خاصة إذا كانت شروط اختيار كلا المجلسين تختلف الواحدة عن الأخرى إلا انه يؤخذ على أعضاء المجلس الأدنى تسرعهم لكونهم يمثلون الناخبين الأصغر سنا مما يجعلهم اقل دراية في معرفة الشئون العامة و أن كون الشيوخ معينون من قبل الحكومة مثلا قد يجعلهم أكثر استقلالية في اتخاذ الآراء بعيدا عن تأثيرات الرأي العام بهذا فقد يوصف أعضاء مجلس الشيوخ بأنهم معرقلون لأعمال نواب المجلس النيابي.
و لهذا نجد اتجاه بعض الدول إلى تقليص صلاحيات المجلس الأعلى إلى الدرجة التي لا تجعل منه طرفا معرقلا لمضمون السيادة الشعبية و قد لجأت بريطانيا إلى تقليص صلاحيات مجلس اللوردات أما الدول التي لا تزال تساوي بين المجلسين : ايطاليا و بلجيكا ... و ألمانيا فان للمجلسين القوة ذاتها فيما يتعلق بالقوانين الاتحادية التي من شأنها تقليص سلطات الدول البوندستاغ و قد يمكن الوصول لحل الإشكالات التي تعترض عرقلة احد المجلسين لمشروع ما بان يصار إلى الاستفتاء الشعبي العام و في هذه الحالة يعود إلى الشعب و هو صاحب السيادة الشعبية في تقرير أمر الوقوف إلى جانب احد الفرقين أما إلى جانب مجلس الشيوخ أو إلى جانب مجلس النواب و عندها يرضخ الطرف المعارض نزولا لرغبة الشعب صاحب السيادة
*تقسيم الأنظمة السياسية وفق فكرة الفصل بين السلطات
لم يكن في القديم جدوى من الأخذ بفكرة الفصل بين السلطات، لأن المجتمع السياسي كان صغيرا وحاجاته محدودة حيث أن رئيس العشيرة والمدينة الصغيرة يحل ويفصل في كل الأمور المتعلقة بشؤون رعيته بمساعدة بعض أقربائه وأعوانه، ولكن مع توسع المجتمع السياسي عدداً وتعقد الحياة الاجتماعية أدت إلى أن تتولى عدة هيئات ممارسة واجبات ووظائف لتسير الأمور المتعلقة بالمجتمع السياسي، فالسلطة واحدة ولكن ممارساتها تعدد بوجود عدة هيئات تفصل وتحدد نوعية العلاقات والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد.
ولاحظ بعض المفكرين أن تحديد عمل السلطة السياسية في المجتمع يتم من خلال ثلاث وظائف يتم مزاولتها من قبل عدة هيئات أو من قبل هيئة واحدة حسب ما وصل إليه المجتمع من تنظيم وتقسيم للعمل:
أ. الوظيفة التنفيذية:هي الجهة التي تتولى مراقبة مدى تطبيق الأوامر والقواعد والقوانين المتعلقة بالمجتمع السياسي.
ب. الوظيفة التشريعية:هي التي تتيح للسلطة تكوين وإيجاد قواعد الحق الموضوعي إذ أن قواعد القانون هي حكم قاعدة لمتابعة سلوك الأفراد في المجتمع لضمان المصلحة العامة التي يتوخاها النظام السياسي عن طريق الاستقرار والتعامل والمعاملات بين أفراد المجتمع ضمن الدولة.
ت. الوظيفة القضائية:فإن عمل القضاء ينصب في تفسير روح القانون وتطبيق النصوص القانونية في حالات المنازعات الحاصلة بين الأفراد والهيئات الرسمية في المجتمع السياسي رغم من وجود علاقة وطيدة بين الوظيفة التنفيذية والقضائية.
• الأسس الفكرية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن المبادئ الديمقراطية الليبرالية عند ظهورها دعت للحد من السلطة الفردية للملوك، وتأمين حقوق وحريات الأفراد، هذا مما دعا بعض المفكرين إلى صياغة النظريات الفكرية الداعية لضرورة تقسيم السلطات إلى أقسام للحد من كل تداخل السلطات فيما بينها، ولضمان عدم تعسف السلطة على حساب حريات وحقوق الأفراد، ولكن يطرح سؤال كيف يتم منع تعسف كل سلطة على حده؟
بطبيعة الحال الفرد أو الهيئة الواحدة عندما تمتلك جميع أجزاء السلطة فإنها تستطيع وضع القوانين بنفسها، ومن ثم تنفيذ وتفسير ما تراه مناسباً وفق مصلحتها دون رقيب أو مانع من توقيفها، وهذه الحالة كانت موجودة في عهد الملوك الأوربيين ذوي الحكم المطلق أثناء القرن السابع والثامن عشر، مما دعى المفكرين من أمثال لوك ومنتسكيو وروسو إلى الدعوة لإقامة نظام تقوم دعائمه على فكرة الفصل بين السلطات، وتتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها, وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم، ويؤكد ذلك رجال الثورة الفرنسية قالوا أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات تفقد أساسها الدستوري، فأول دستور وضع بعد الثورة الفرنسية في 3 كانون الأول 1972م، يكرس بصورة مطلقة وجود ثلاث سلطات منفصلة ومستقلة الواحدة عن الأخرى، ونص دستور ولاية ماسوشوسيت 1780 على أن لا تمارس الهيئة التشريعية مطلقاً سلطات الهيئتين التنفيذية والقضائية أو إحداها، وأكد منشور الفدراليين في الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة الفصل بين السلطات لمنع التعسف المطلق، المؤدي إلى إساءة استعمال كل سلطة على حدة.
أ. عند أرسطو و جون لوك:
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة،و منع الاستبداد بالسلطة.
وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي كأفلاطون وأرسطو، دور هام في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات، إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الاضطرابات و الثورات للتمرد على هذا الاستبداد.
أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد الثورة الجليلة ل 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية، كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.
و ما يؤخذ على أفكاره هو أنه لم يقدم لنا إلا صورة لما كان سائدا في انجلترا و أنه أيضا لم يقدم لنا سوى تمييزا بين الوظائف.
ب) عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748.
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسكيو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية و قضائية. لكن الفكرة الأساسية التي عالجها في كتابه هي أن قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع به أو حتى لا يساء استعمالها يجب بمقتضى الأمور إقامة توازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال الأخرى عندما تمارس عملا له علاقة بأعمال أخرى.
و قد أحسن مونتسكيو بأهمية هذا التعاون، فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة faculté d empêcher و سلطة الردع faculté de statuer الحكم أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
ومن هنا يمكننا القول أن نظرية مونتسكيو تضمنت النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.
تقسيمات الأنظمة السياسية حسب ممارسة السيادة
فالسيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو في القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة و توجد ثلاث نماذج على وجود التصويت كمعيار تعتمد عليه النظم لتيسير شئونها:
1- نظام الحكم السياسي المباشر – الديمقراطية المباشرة .
2- النظام التمثيلي – الديمقراطية النيابية .
3- النظام شبه المباشر – الديمقراطية شبه المباشرة.
و توجد كذلك أنواع أخرى من الأنظمة السياسية التي تعتمد أصلا في نشوئها أو ممارستها على الانتخابات و التي يفترض قيامها لأسباب مختلفة و من هذه الأنظمة:
1- النظام الفردي : ترتكز السلطة بيد الفرد سواء ملكا أو رئيسا.
2- نظام حكم القلة : نظام وسطي بين حكم الفرد و الجماعة.
3- النظام الثوري و الانقلابي : هذا النظام يحصل على السلطة من خلال الانقلاب و الثورة .
4- النظام المختلط: يتكون من هيئتين هيئة سياسية منتخبة و هيئة سياسية غير منتخبة يعملان جنبا إلى جنب.
خصائص هذه الأنظمة:
1- عدم الاعتماد في اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم لسيادتها وقتية أو دائمة.
2- اقترنت أكثر هذه الأنظمة بظهور السلطة المتسلطة و الفردية كنتيجة للظروف الخاصة للمجتمع.
* التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن تفسير مبدأ الفصل بين السلطات أدى إلى نشأة نظامين متوازنين ومختلفين النظام الأول مستوحى من الفصل المطلق بين السلطات وهو النظام الرئاسي، والنظام الثاني هو تطبيق الفصل المرن بين السلطات وهو النظام البرلماني، وسنعرض لكل من هذين النظامين وخصائصهما وأهم تطبيقاتهما في العالم المعاصر ونظام حكومة الجمعية أو النظام المجلسي.
أ. النظام الرئاسي
تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.
إن الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة 1787، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
خصائص النظام الرئاسي:
1. وحدة السلطة التنفيذية: يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو الرئيس الأمريكي الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ويساعد الرئيس عدة من السكرتيرين، وهم يقابلون الوزراء في النظام البرلماني، إلا أنهم لا يملكون سلطة في إصدار القرارات. ويستمد الرئيس سلطاته من كونه منتخباً من الشعب في مجموعه، ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركز قوي. وهو مستقل عن الكونجرس الذي لا سلطة له في اختياره، كما أنه لا يملك مساءلته سياسياً.
2- يعين الرئيس السكرتيرين ويعزلهم، كما أن السكرتيرين لا يكونون مجلس وزراء مستقل عن الرئيس. ومن ناحية أخرى ليس للسكرتيرين حق أن يكونوا أعضاء بالكونجرس؛ إذ لا يجوز الجمع بين سكرتارية الوزراء وعضوية البرلمان أي الكونجرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
3- للرئيس أن يقترح قانوناً وخاصة في رسالته السنوية التي يوجهها إلى الكونجرس، والتي تعتبر بمثابة برنامج تشريعي للسنة التالية، ولكن البرلمان يستطيع أن يرفض اقتراح الرئيس حتى لو تعلق الأمر بالميزانية، ولا يملك الرئيس وسيلة لإجبار الكونجرس على الموافقة على اقتراحاته.
4- لا يملك الكونجرس أن يحرك مسئولية الرئيس السياسية أو مسئولية أي من الوزراء أي السكرتيرين. وفي مقابل ذلك لا يملك الرئيس حل الكونجرس.
5- تتخصص كل سلطة في الوظيفة المعهود بها إليها: فالسلطة التنفيذية يتولاها الرئيس. وكل المهام التشريعية يتولاها الكونجرس، أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام. هذا مع مراعاة أن هناك استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات بعضها تجد مصدرها في الدستور نفسه مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين التي وافق عليها الكونجرس وحق مجلس الشيوخ في الاعتراض على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين. وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي مثل حق الرئيس في اقتراح التشريعات عن طريق رسائل يبعث بها إلى الكونجرس.
ب. النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزارة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الوزارة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين.
وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. إذ بينما يحظر على الرئيس الأمريكي اقتراح القوانين، يجوز للحكومة في ظل النظام البرلماني أن تقدم مشروعات قوانين البرلمان، بل إن أكثر من 90% من التشريعات في النظم البرلمانية ذات أصل حكومي.
أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وأيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسكلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلندة وفي أمريكا الشمالية كندا.
خصائص النظام البرلماني:
1. ثنائية السلطة التنفيذية: من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية، إذ يوجد رئيس دولة، سواء أكان ملكاً أم رئيس جمهورية، يسود ولا يحكم وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئولاً أمام البرلمان.
2. مسئولية الوزارة: تسأل الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية. وتعتبر المسئولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز النظام البرلماني.
3. البرلمان مكون من مجلسين غالباً: ففي إنجلترا يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم وكذلك الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة التي أوردنا تعداداً لها فيما سبق. غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمراً ضرورياً لكي يعتبر النظام برلمانياً.
4. التوازن النظري بين السلطات: وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير. فالسلطة التنفيذية لا تتدخل في اختيار أعضاء البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ولكن للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد وحق فض دورات انعقاده. ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها. وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة حسب الأحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
هذه هي المعالم الرئيسية للنظام البرلماني الذي ازدهر في القرن التاسع عشر وكان موضع إعجاب الكثير من الكتاب الأوربيين التقليديين الذين لا يزالون يحلمون بعودة هذا النظام باعتباره نظاماً متوازناً.
غير أن هذا التوازن النظري بين السلطة لم يكن مطبقاً من الناحية العملية بشكل جامد ويمكن من الناحية التاريخية أن نقول أن البرلمانية مرت بمراحل ثلاث:
مرحلة البرلمانية المزدوجة المتوازنة ثم مرحلة البرلمانية التي يغلب فيها البرلمان مصحوباً بمسئولية الحكومة أمامه وأخيراً المرحلة المعاصرة وهي البرلمانية التي تسود الآن في إنجلترا ولا يمكن أن تثور في ظلها مسئولية الوزارة أمام البرلمان بسبب تكوين الحكومة الإنجليزية ودور الحزبيين السياسيين في إنجلترا.
1. أما عن البرلمانية المزدوجة المتوازنة فهي تلك التي سادت في ظل الملكيات غير المطلقة كان الحكم مقسماً بين قطبين سياسيين هامين هما رئيس الدولة والبرلمان، وكان التوازن هو السمة الغالبة على العلاقة بين هذين القطبين وهذه هي البرلمانية التي سادت في إنجلترا قبل حكم الملكة فيكتوريا وفي ظل ملكية يوليوز في فرنسا.
2. وأما عن البرلمانية المطبوعة بالمسئولية الوزارية فهي تلك التي تحددت معالمها بعد الحرب العالمية الأولى وفي ظل هذه البرلمانية كانت السلطة مركزة في يد البرلمان الذي كان يلعب أهم دور في الحياة السياسية وهذا الدور يكتسب أهمية من أن الحكومة كانت نابعة من البرلمان. فالأغلبية البرلمانية هي التي تكون تشكيل الحكومة ومن هنا كانت الحكومة مجرد لجنة منبثقة عن البرلمان.
ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تولي مهام السلطة التنفيذية إلا إذا كانت محل رضاء البرلمان لأنها مسئولة أمامه. أي أن المسئولية الوزارية أمام البرلمان كانت هي المعيار الكافي للحكم على النظام بأنه برلماني وإذا ما فقدت الحكومة ثقة البرلمان فإنها من الناحية القانونية تكون مرغمة على تقديم استقالتها.
3- البرلمانية المعاصرة: في وقتنا الحاضر تعدت البرلمانية هاتين المرحلتين. والمثال الواضح على ذلك هو النظام الإنجليزي، فلم تعد المسئولية الوزارية أو التوازن بين السلطات هي معيار الحكم على النظام بأنه برلماني. ذلك أن نظام الحزبين في إنجلترا غير الوضع فالحكومة الإنجليزية هي لجنة مكونة من حزب الأغلبية داخل مجلس العموم البريطاني. ولذا فإن الحزب الحاكم يسيطر على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل هاتين السلطتين هيئة واحدة من الناحية العضوية كما أن المسئولية الوزارية أمام مجلس العموم لا تنعقد من الناحية العملية، لأن الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة حتى لا يضر بمصالح الحزب، والآن حل محل هذه المسئولية أمام البرلمان أن يحتكم رئيس الوزراء إلى الشعب بحل البرلمان في وقت مبكر وإجراء انتخابات جديدة بحيث تصبح مساءلة الحكومة مباشرة أمام هيئة الناخبين لا أمام البرلمان.
وإذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة.
فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات، أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غير متناسقة وغير ثابتة، ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الوزارة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها، وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا.
ج- النظام المجلسي : حكومة الجمعية
يقوم هذا النظام على تركيز السلطتين التشريعية و التنفيذية استنادا إلى فكرة وحدة السيادة في الدولة.
و يمكن حصر خصائص هذا النظام في ناحيتين :
1- تبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية :باعتبار هذه الأخيرة ممثلة الشعب، و نظرا لصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية بنفسها فإنها تختار لجنة تنفيذية من بين أعضائها، لهذا الغرض و بالتالي فإن الهيئة التنفيذية تكون خاضعة للجمعية النيابية تعمل تحت إشرافها ورقابتها و هي مسؤولة أمامها.
2- عدم تأثير الهيئة التنفيذية على السلطة التشريعية :مادامت الهيئة التنفيذية بنفسها تابعة للسلطة التشريعية فإنها لا تملك نحوها أية حقوق كحق حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو تأجيل اجتماعه.
و في الوقت الحالي يمكن القول أن نظام حكومة الجمعية له تطبيق وحيد في الديمقراطيات الغربية هو النظام السياسي في سويسرا.
النظام السياسي في سويسرا
سويسرا : دولة اتحادية مكوّنة من 7 مقاطعات و 30 نصف مقاطعة، و تقرر هذا الإتحاد بصفة رسمية 1848، بعد انتهاء الحرب الأهلية التي دامت سنتين تغلب فيها الأنصار الذين كرّسوا أفكارهم في دستور 1848، و تعتمد سويسرا مبدأ الحياد الدّائم.
و تتميّز سويسرا بأنها تطبق الديمقراطية شبه المباشرة، بشكل واسع مع تطبيق بقايا الديمقراطية المباشرة في 3 مقاطعات صغيرة. و في المجال السياسي تأخذ بنظام حكومة الجمعية الاتحادية (الفدرالية)، و المجلس الاتحادي أو الفدرالي.
1- الجمعية الاتحادية : (الفدرالية): البرلمان:
تتكوّن من مجلسين هما :
أ- المجلس الوطني :
يمثل شعب الإتحاد على أساس نائب واحد لكل 25 ألف مواطن، و ينتخب هذا المجلس لمدة 4 سنوات وفقا لنظام التمثيل النسبي و يبلغ عدد أعضائه 200 نائبا.
أ- مجلس المقاطعات أو الولايات أو الدويلات :
يمثل هذا المجلس المقاطعات بمعدل نائبين لكل مقاطعة و نائب واحد لكل نصف مقاطعات و هذا بغض النظر عن الكثافة السكانية.
- اختصاصات الجمعية العامة:
يتولّى بالإضافة إلى سن القوانين المهام الآتية :
1- انتخاب المجلس الفدرالي
2- انتخاب رئيس الإتحاد.
3- تعيين أعضاء المحكمة الفدرالية.
4- تعيين قائد الجيش.
5- حل الخلافات المتعلقة باختصاصات السلطات الاتحادية.
2- المجلس الاتحادي : الفدرالي
يتولى هذا المجلس مهام السلطة التنفيذية و هو يتألف من 7 أعضاء تنتخبهم الجمعية الاتحادية بالأغلبية المطلقة لمدة 4 سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا للإتحاد لمدة سنة فقط غير قابلة للتجديد مباشرة يقوم رئيس المجلس الاتحادي بوظيفة رئيس الدولة إلاّ أن سلطاته شرفية فقط فهو لا يتميّز عن بقية أعضاء المجلس الفدرالي.
- صلاحيات المجلس الاتحادي:
أ. يمارس هذا المجلس السلطة الحكومية بصفة جماعية و لا يستطيع الاجتماع إلاّ بحضور 4 من أعضائه و يتولّى كل عضو وزارة من الوزارات.
ب. بإمكان المجلس تقديم مشاريع قوانين و كذلك تقديم تقارير بناءا على طلب من الجمعية الاتحادية.
ج. نشير إلى أن الجمعية الاتحادية لها الحق في توجيه الأسئلة و الاستجواب إلى أعضاء المجلس الاتحادي و في حالة سحب الثقة منه فإنه لا يقدم استقالته و لكن هو ملزم بأن يعدّل سياسته طبقا لرغبة الجمعية الاتحادية.
التقسيم من جهة ممارسة السيادة:
السيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة، ويندرج تحت هذا النوع أنظمة عديدة من الحكومات التي عرفت قديما وحديثا على شكل ملكية كانت أم جمهورية ذات مضمون ليبرالي أو كلي، بشكل مؤقت أو دائم، فتوجد أربع نماذج رئيسية حيث مصدر سلطتها غير الانتخابات وهي:
نظام الحكم الفردي: يقصد به تركيز السلطة أو السيادة في هذا النظام بيد الفرد ملكاً كان أو رئيس جمهورية مكرس سلطته في وثيقة أم لا، فالسيادة تعود للفرد الواحد يمارسها حسب مشيئته، وهذا النوع من النظام عرف سابقا حيث أن سلطة الملك مستمدة من فكرة الحق الإلهي أو التفويض الإلهي، عرف عن لويس الرابع عشر بأن الدولة تعود له "الدولة هي أنا".
النظام الثوري أو الانقلابي: ويقصد به سلطته تسمد من خلال الثورة أو الانقلاب فلا تعتمد على الانتخابات في ممارسة السلطة.
نظام حكم الأقلية: هذا وسط بين حكم الفرد وحكم الجماعة تقوم فئة قليله ممارسة السلطة عن الآخرين في حصرها بين يديها، لتمشية أمور المجتمع وحكم الأقلية سابق على حكم الديمقراطي.
النظام المختلط: هو تعايش هيئات سياسية منتخبة بجانب هيئات غير منتخبة، فوجود ملك غير منتخب ومجلس برلماني منتخب كما وجد في انجلترا وفي أغلبية أنظمة الحكم الملكية في العالم، فالبرلمان بمجلسين منتخب وآخر غير منتخب.
خصائص هذه النماذج من الأنظمة السياسية هي:
عدم الاعتماد على اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم للسيادة.
اعتمادها على الفردية والتسلط وممارسة السلطة مرتبطة بظروف خاصة في المجتمع الذي يعيش فيه.
* تقسيم الأنظمة السياسية مصدرها الانتخابات:
تنقسم إلى أنواع وهي:
أولاً: الانتخاب غير المباشر
اقتران هذا النوع من الانتخاب غير المباشر بالنظم المرجعية، حيث تلجا بعض الدساتير إلى هذه الوسيلة في اختيار الحكام بحيث تجعل سلطة الاختيار الحقيقي في يد فئة خاصة يسهل التأثير عليها. والانتخاب غير المباشر هو الانتخاب الذي يجري على درجتين أو ثلاث درجات، حيث يقتصر دور الناخبين على اختيار مندوبين عنهم يتولون مهمة اختيار أعضاء البرلمان والحكام، ويرى جانب من الفقه الأمريكي أن هذه القلة المختارة تملك المعلومات الكافية عن المرشحين بما يمكنه من اختيار الصالح والأصلح، وقيل إنه يمتاز بأنه يقلل من ضرر الاقتراع العام وذلك لأن المواطن العادي كثيراً ما يجهل كفاءة المرشحين أما الانتخاب غير المباشر فأنه يجعل الانتخاب بيد فئة مختارة تعد كفاءة المرشحين(1).
تقييم نظام الانتخاب غير المباشر
بصفة عامة فإن الفقه الدستوري يرى في الانتخاب غير المباشر وسيلة غير ديمقراطية لاختيار الحكام (2)، ربما لأنها تحمل بعض الشك في ملكات الشعب ووعيه السياسي أو لأن الانتخاب غير المباشر يقترن غالباً بالاقتراع المقيد، إذ يشترط القانون في الناخب المندوب شرط النصاب المالي أو الكفاءة أو الانتماء الأسري، هذا إضافة إلى أن الانتخاب غير المباشر يفسح المجال أمام الحكومة للتلاعب بنتائج الانتخابات، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت سنة 2000 أهملت اللجنة المشرفة على الانتخابات في ولاية فلوريدا مئات الآلاف من أصوات الناخبين بحجة عدم وضوحها الأمر الذي رجح كفة الرئيس جورج بوش الابن على خصمه الديمقراطي آل جور
ثانياً : الانتخاب المباشر
قيل بأنه أقرب إلى الديمقراطية لأن الشعب يتولى بنفسه اختيار حكامه ومندوبين عنه في المجالس، والانتخاب المباشر هو النظام الذي يقصد به قيام الناخب باختيار النائب بصورة مباشرة دون وساطة ناخبين ثانويين، ويطلق على هذه الطريقة في الانتخاب، الانتخاب على درجة واحدة
تقييم نظام الانتخاب المباشر
الملاحظ أن غالبية النظم الانتخابية اتجهت في الوقت الحاضر إلى جعل الانتخاب على درجة واحدة، للمزايا التي يتمتع بها، إذ يبيح لغالبية الأفراد انتخاب الحكام بأنفسهم وهذا يزيد من اهتمام الشعب بالأمور العامة ويشعره بمسئوليته ويرفع مداركه، والنظام الانتخابي المباشر أكثر ديمقراطية من الانتخاب غير المباشر وأقل كلفة منه، كما أنه يجعل الناخب على صلة مباشرة بالنائب، مما يدفع الأخير إلى السعي إلى تمثيل النائب تمثيلاً حقيقياً في المجلس النيابي رغبة في اختياره لدورة نيابية ثانية، ومثل هذه الصلة غالباً ما تضعف في النظم التي تأخذ بالانتخاب غير المباشر.
ثالثا: الانتخاب الفردي
في الانتخاب الفردي، تقسم الدولة إلى عدد من الدوائر الانتخابية، مساو لعدد النواب الذين يتألف منهم المجلس، ولكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، وليس للناخبين التصويت لأكثر من مرشح واحد، ونظام الانتخاب الفردي هو الذي أخذ به قانون الانتخابات اليمني، حيث قسمت البلاد إلى دوائر انتخابية متساوية من حيث التعدد السكاني ويمثل كل دوائره نائب واحد في مجلس النواب ويختار الناخبون المرشح عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر
تقييم نظام الانتخاب الفردي
أثار موضوع الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة وما زال يثير الكثير من النقاش ، بالرغم من مضي مدة طويلة على ظهور هذا النظام ، نظراً لما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات. فقد أشار أنصار نظام الانتخاب الفردي إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحقق هذا النظام توازناً كبيراً بين المصالح المختلفة، على خلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي غالباً ما يفسح المجال أمام أحد الأحزاب للاستحواذ على كافة المقاعد النيابية.
كما يتسم هذا النظام بالبساطة، إذ يختار الناخب نائباً واحداً في دائرته الانتخابية الصغيرة مما يمكنه من اختيار أكفأ المرشحين، بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي يشتت الناخب بين عدة مرشحين لا يكون في الغالب على معرفة كافية بهم. كما يمنح هذا النظام الناخب المزيد من الحرية والاستقلالية في اختيار النائب، إذ يقلل من هيمنة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين، في حين يخضع غالباً نظام الانتخاب بالقائمة الناخب لسيطرة الأحزاب السياسية ويحد من حريته في الاختيار بين المرشحين.
ويسمح نظام الانتخاب الفردي للنائب بالإطلاع على احتياجات دائرته الانتخابية ويمكنه من معرفة المشاكل التي تعاني منها بحكم كونه من سكانها غالباً. ويحقق هذا النظام المساواة بين الدوائر الانتخابية كونه يقسم الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة ناخب واحد.
الانتقادات الموجهة للانتخاب الفردي
يجعل الاختيار قائما على أساس المفاضلة بين الأشخاص لا بين المبادئ والأفكار. كما يجعل المرشح أسير الدائرة الانتخابية ويركز عنايته لخدمة مصالحها ويغفل مصالح البلاد.
رابعا: الانتخاب بالقائمة
الانتخاب بالقائمة هو: تقسيم الدولة إلى عدد قليل من الدوائر الانتخابية الكبيرة الحجم، ويمثل الدائرة الواحدة عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة تثبت فيها أسماء المرشحين وبالعدد الذي يحدده القانون. ويثير الانتخاب بالقائمة التساؤل بشأن حرية الناخب في تكوين قائمته الانتخابية، فهل يلزم بالتصويت على القائمـة كما طرحها الحزب السياسي، أم للناخب المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة وإنشاء قائمته الانتخابية الخاصة؟ للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الدول انقسمت في ذلك بين ثلاثة أنظمة .
النظام الأول: نظام القائمة المغلقة وفي هذا النظام يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الحزبية، دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل عليها، سواءً بالإضافة أو الحذف أو بإعادة ترتيب الأسماء.
النظام الثاني: نظام المزج بين القوائم وفي هذا النظام يكون للناخب الحرية في تكوين قائمته الانتخابية، عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في قوائم الانتخابات المختلفة.
النظام الثالث: نظام إعادة ترتيب القوائم ووفقاً لهذا النظام للناخب إعادة ترتيب أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة التي اختارها، دون أن يكون له المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة
مسوغات الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة
خلافاً لما ذهب إليه أنصار نظام الانتخاب الفردي ، أشار أنصار نظام الانتخاب بالقائمة إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحرر النائب من سيطرة الناخب ولا يدع مجالاً لتحكم العلاقات الشخصية، مما يجعل الاختيار قائماً على أساس كفاءة النائب وما يمكن أن يقدمه لناخبيه. ويزيل هذا النظام بالانتخابات عن كل ما من شأنه المساس بنزاهتها واستقلاليتها كالضغط على الناخبين أو إغوائهم أو التغرير بهم، على خلاف الحال في نظام الانتخاب الفردي الذي يفسح المجال واسعاً أمام الرشوة الانتخابية ويسهل على رجال الإدارة التدخل في الانتخابات ونتائجها. وإن نظام الانتخاب بالقائمة يوسع من الخيارات المتاحة أمام الناخب في اختيار النواب بحكم تعددهم، خلافاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يضيق من هذه الخيارات إذ لا يجد الناخب في الكثير من الأحيان بداً من التصويت لنائب معين بحكم العلاقات الشخصية أو الانتماء الأسري أو الإقليمي. كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يجعل المفاضلة بين نائب وآخر تقوم على أسس موضوعية مردها الموازنة بين المبادئ والأفكار المختلفة لا بين الأفراد كما في الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة.
وبعد استعراضنا للحجج التي ساقها دعاة نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة ، تبين لنا أن كل نظام تسجل له إيجابيات وعليه سلبيات ولا يمكن من حيث الواقع تفضيل أحد الأنظمة على الآخر ، فقد ينجح النظام في دولة معينة ويفشل في أخرى، إذ يتوقف الأمر على وعي الناخبين ونضجهم السياسي وعراقة تجربة الدولة الانتخابية وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خامسا: نظام الأغلبية
بموجب هذا النظام يعد فائزاً في الانتخابات المرشح أو المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية، ويمكن تطبيق هذا النظام في حالة التصويت الفردي والتصويت على القائمة أي انتخاب عدة نواب في منطقة واحدة.
فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات، أما إذا كان التصويت على قائمة، كانت القائمة فائزة بجميع مقاعد الدائرة الانتخابية متى حصلت على أكثرية الأصوات.
تقدير نظام الأغلبية
يذهب غالبية الفقه الدستوري إلى أن هناك تلازماً حتمياً بين نظام الأغلبية ونظام الثنائية الحزبية، لأن هذا النظام يؤدي في المدى الطويل على الأقل إلى التقليل من عدد الأحزاب، فيندمج بعضها في بعض حتى ينتهي الأمر إلى وجود حزبين كبيرين يتبادلان الأغلبية البرلمانية على امتداد السنين، وخير مثال على ذلك النموذج الأمريكي والبريطاني، حيث يأخذ كل منهما بنظام الحزبين الكبيرين، ونظام الأغلبية في الانتخابات، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن نظام الأغلبية لا يمكن العمل به في ظل نظام التعددية الحزبية، فقد أخذ به قانون الانتخاب الألماني الصادر في 15 يونيو 1945 ، كما أخذ به المشرع الأردني في كافة قوانين انتخاب مجلس النواب، وفي قانون الانتخابات اليمني يعتبر فائزا في الانتخابات المرشح الذي يحوز على أكثر الأصوات عدداً.
مميزات نظام الأغلبية
الواقع أن أهم ما يتميز به هذا النظام هو: البساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة، مما يؤدي في النهاية إلى استقرار الحكومات. ويجعل هذا النظام الناخب على معرفة بجميع المرشحين المتنافسين في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه تقليص تأثير الأحزاب السياسية على آراء واتجاهات الناخبين.
عيوب نظام الأغلبية
إن ما يسجل على هذا النظام ، أنه قد يتنافى مع الديمقراطية الحقة، كما أن نتائجه قد لا تتسم بالعدالة كونه يضع القوة السياسية في يد الطبقة التي تظفر بها، ويترتب على ذلك إهمال ما عداها من الطبقات التي قد يكون بعضها ذات أهمية كبيرة مما يجعل المجلس النيابي المنتخب بعيداً عن أن يكون ممثلاً لجميع طبقات الأمة، وما لم تمثل الأقلية في المجلس فإن الحكومة لا تكون حكومة ديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة، بل تكون حكومة طبقة ممتازة تفرض سلطاتها على كل من يخالفها في الرأي.
سادسا: نظام التمثيل النسبي
يقصد بنظام التمثيل النسبي منح كل حزب أو اتجاه عدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها.
ولم يتم تبني هذا النظام إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على إثر تعالي الأصوات المنادية بالعدول عن نظام الأغلبية، كونه لا يمثل اتجاهات الرأي العام تمثيلاً حقيقياً في البرلمان، كما أنه يحابي الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وقيل بحق إن نظام التمثيل النسبي وحده هو الذي يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية بين الأغلبية والأقلية.
وانقسم رأي الفقه بشأن إمكانية تطبيق هذا النظام في ظل نظام الانتخاب الفردي إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول : يرى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه إلا مع نظام الانتخاب بالقائمة لأنه بحكم طبيعته يتطلب عدة مقاعد توزع بنسبة معينة، كما أن نظام القائمة يفترض تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة
الاتجاه الثاني : يذهب الاتجاه الثاني إلى أن نظام التمثيل النسبي يمكن تطبيقه في ظل نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وهو ما يجري عليه العمل في جمهورية أيرلندا منذ نشأتها وفي أستراليا في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنة 1949.
مزايا نظام التمثيل النسبي
إن أهم ما يتميز به هذا النظام أنه: يسمح بتمثيل كافة اتجاهات الرأي العام والأحزاب السياسية في البرلمان، وقيل إن هذا النظام أكثر عدالة من نظام الأغلبية، كونه يضمن لكل حزب عدداً من المقاعد في المجلس النيابي يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. ويؤمن هذا النظام المحافظة على الأحزاب السياسية وينميها، وفي ذلك ترسيخ لمفهوم التنافس السياسي المشروع ويجنب البلاد الأزمات الناشئة عن التنظيمات السياسية غير المشروعة كالمنظمات والأحزاب السرية. بل يشجع الناخـب علـى الإدلاء بصوته ولمن يشاء من الأحزاب السياسية، فالناخب قد يعرض عن المشاركة في الانتخابات حينما يرى أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات لا تمثل رأيه، أو حينما يخشى إهدار صوته لكونه يدلي به لحزب ليست له إلا شعبية محدودة .
عيوب نظام التمثيل النسبي
الكثير من الدول أعرضت عنه نظراً للسلبيات التي تسجل عليه ومنها: أنه قد يجعل الناخب غير قادر على الاختيار بين عدد كبير من المرشحين. ويشجع الأحزاب السياسية على التعدد إلى أقصى حد، فكل جماعة مهما قل عددها تستطيع أن تكون حزباً، فهي لن تهدر صوتاً هنا أو هناك ليكون لها في النهاية مقعداً تحصل عليه في المرحلة الثانية إن لم تستطع الحصول عليه في المرحلة الأولى . وهذا النظام يشتت مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب وهو أمر غير مرغوب فيه كونه لا يهيئ السبيل لأي حزب للحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي الأمر الذي يعقد مهمة تشكيل الوزارة، والمعلوم أن تشكيل الوزارة من أكثر من حزب واحد يعني عدم الانسجام السياسي، بل إن ريح الخلافات قد تعصف بها بعد فترة قصيرة من تشكيلها، وهذا ما حدث لحكومة 1990 في الجمهورية اليمنية والتي شكلت من ثلاثة أحزاب هي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي . والمأخذ الأكبر المسجل على هذا النظام، أنه يجعل بعض القيادات الحزبية تحتفظ بعضوية دائمة أو طويلة في البرلمان، بغض النظر عن الشعبية التي يتمتع بها الحزب ارتفاعاً وهبوطاً، فأي حزب على درجة من الانتشار لا بد أن يحصل على بعض الأصوات هنا وهناك، ومن تجميع هذه الأصوات سوف يحصل على بعض المقاعد النيابية، وما عليه إلا أن يضع في مقدمة مرشحيه بعض الأسماء التي يكاد أن يكون متأكداً من التصويت لها ودخولها في المجلس النيابي، وهذا الوضع من شأنه خلق بعض النواب غير القابلين للعزل.
النظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية:
اتبع عدد كبير من الكتاب تقسيمات الأنظمة السياسية اعتمادا على نظرية الفصل بين السلطات و حسب منطق فكرة السيادة و رغم مكانة هذه النظريات في التحليل السياسي فبالإمكان اتخاذ نماذج أخرى للتقسيمات المتعلقة بالأنظمة السياسية و على أساس عموميتها و شمولها بصورة أكثر من النظريات التقليدية في تحديد أنواع الأنظمة السياسية في العالم فمن جهة يظهر لنا التحليل السياسي الحديث بعدم انطباق النظريات التقليدية على الممارسات المبدئية للنظم السياسية التقليدية و نعني بذلك بتطور الأحزاب و انتشارها و تأثيرها المباشر على نماذج الحكم التي ممكن أن توجد بإشكال مختلفة و إذا اقترن مفهوم الفصل بين السلطات مع نشوء و تطور الأنظمة الليبرالية فنرى الوقت الحاضر أن هذه الأنظمة نفسها تنزع إلى ممارسة تختلف كثيرا إذا لم نقل كليا عن منظور الفصل بين السلطات التي أريد لها العيش لحفظ الحرية السياسية مع وجود سلطة ملكية عرف عنها أنها مستبدة و حتى إذا حاكينا نظرية الفصل بين السلطات حسب مفهومها فكيف نفسر استمرارية فعالياتها و صحة فرضيتها في حالة تبدل النظام الفردي إلى حكم الشعب فحري بالشعب في هذه الحالة أن يمتلك جميع السلطات و عندئذ يمكن القيام بفصل السلطات التي يمتلكها الشعب و هذا ما نحى إليه الفكر الاشتراكي في رفضه الانتقاد لاتخاذه مبدأ الوحدة و التفويض العمودي للسلطة و الذي يوفق في هذه الحالة بين التحليل النظري و بين الضرورة العملية.
التمثيل البرلماني المزدوج:
عرفت البرلمانات بشكلها الأحادي و بشكلها الثنائي أي عندما تتشكل السلطة التشريعية من مجلسين و حسب التسمية المعطاة لكل منهما فهناك المجلس الأعلى و المجلس الأدنى و مجلس الشيوخ و مجلس النواب( وجود مجلس ثاني يعتبر نتيجة منطقية لتكوين الدولة الاتحادية) و لكن ثنائية المجلسين وجدت في دول بسيطة في بريطانيا و فرنسا ففي بريطانيا يعود أصل وجود الثنائية إلى تمثيل الفرسان ممثلي الريف و البرجوازية ممثلي المدن إلا أن سلطة الروردات تقلصت إلى الحد الذي جعلت من مجلسهم مجرد واجهة أما في فرنسا فان نظام المجلسين قد حافظ على مساواة كل مجلس بالأخر في السلطة و الاختصاصات بحيث يتعين موافقة المجلسين على مشروع أي قانون يعرض أمامهما فبالرغم من موافقة أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية على مشروع قانون يتعلق بالتعليم الرسمي فان موقف مجلس الشيوخ السلبي إزاء مشروع القانون هذا قد أوقف إمكانية الأخذ به لهذا فان وجود مجلسين بصلاحيات واحدة قد يعرقل العملية التشريعية و لهذا فان أنصار المجلس الواحد يؤيدون عدم الأخذ بنظام المجلسين لأنه لا يتفق مع نظرية السيدة الشعبية خاصة إذا كانت شروط اختيار كلا المجلسين تختلف الواحدة عن الأخرى إلا انه يؤخذ على أعضاء المجلس الأدنى تسرعهم لكونهم يمثلون الناخبين الأصغر سنا مما يجعلهم اقل دراية في معرفة الشئون العامة و أن كون الشيوخ معينون من قبل الحكومة مثلا قد يجعلهم أكثر استقلالية في اتخاذ الآراء بعيدا عن تأثيرات الرأي العام بهذا فقد يوصف أعضاء مجلس الشيوخ بأنهم معرقلون لأعمال نواب المجلس النيابي.
و لهذا نجد اتجاه بعض الدول إلى تقليص صلاحيات المجلس الأعلى إلى الدرجة التي لا تجعل منه طرفا معرقلا لمضمون السيادة الشعبية و قد لجأت بريطانيا إلى تقليص صلاحيات مجلس اللوردات أما الدول التي لا تزال تساوي بين المجلسين : ايطاليا و بلجيكا ... و ألمانيا فان للمجلسين القوة ذاتها فيما يتعلق بالقوانين الاتحادية التي من شأنها تقليص سلطات الدول البوندستاغ و قد يمكن الوصول لحل الإشكالات التي تعترض عرقلة احد المجلسين لمشروع ما بان يصار إلى الاستفتاء الشعبي العام و في هذه الحالة يعود إلى الشعب و هو صاحب السيادة الشعبية في تقرير أمر الوقوف إلى جانب احد الفرقين أما إلى جانب مجلس الشيوخ أو إلى جانب مجلس النواب و عندها يرضخ الطرف المعارض نزولا لرغبة الشعب صاحب السيادة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق