مصـــادر القاعـــدة القانونيــــة
مقدمـة :
نظرا لتعدد القواعد
القانونية و اِختلاف التعبير عن اِرادة الدولة و أفرادها فاِنه من المحتم
أن تتعدد مصادر قواعد القانون و تعني كلمة "مصدر" المنبع الذي تخرج منه
القاعدة القانونية و البحث عن مصدر القاعدة القانونية هو البحث عن السبب
المنشئ لها في مجتمع معين اِذ اِن القاعدة القانونية لا يمكن أن تنشأ من
العدم فلا شيء يوجد من لاشيء بل لابد من وجود سبب منشىء لها طبقا لمبدأ
السبب أو ما يسمى السببية .
و يساهم في تكوين القاعدة القانونية مصدران
أساسيان و هما : المصادر الأصلية أو الرسمية و المصادر الاِحتياطيـة و
التفسيرية ، فياترى ماهي هذه المصادر ؟ ومالعلاقـة بينها ؟
المبحث الأول : المصدر الرسمي الأصلي ( التشريع )
لقد
كان العرف في المجتمعات القديمة المصدر الرسمي الأول بحيث يمكن القول بأن
العصور القديمة هي عصور العرف و الدين أما حظ التشريع اِلى جانبه فقد كان
ضئيلا ، لكن العرف تقهقر و لا يزال اِلى اليوم يتقهقر في أهميته فغدت
الصدارة في القانون الحديث للتشريع في الاِلزام بالقواعد القانونية ، حتى
أمكن القول بأن العصر الحديث هو عصر التشريع .
و تقتضي دراسة موضوع التشريع أن نعرض أولا تعريفه و ثانيا خصائصـه و ثالثـا لأنواع التشريع و سيكون كل ذلك في ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريف التشريع
يطلق اِصطلاح التشريع على معنيين : عام و خاص .
الفرع الأول : المعنى العام للتشريع
التشريع كمصدر للقانون في مفهومه الواسع la législation يقصد به أحد الأمرين :
الأمر
الأول : هو عملية قيام السلطات المختصة في الدولة بوضع قواعد جبرية مكتوبة
لتنظيم العلاقات في المجتمع و ذلك في حدود اِختصاصاتها وفقا للاِجراءات
المقررة لذلك .
الأمر الثاني : هو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة
ذاتها التي تم وضعها من قبل السلطـات المختصة في الدولة لحكم علاقات
الأفراد في المجتمع سواء كانت هذه السلطة هي السلطــة التشريعية أو هي
السلطة التنفيذية .
و بذلك يستعمل اِصطلاح التشريع في مفهومـه الواسع
تارة بمعنى مصدر القواعد القانونيـة المكتوبة و تارة أخرى بمعنى القواعد
المستمدة من هذا المصدر .
الفرع الثاني : المعنى الخاص للتشريع
ينصرف
المعنى الخاص للتشريع la loi اِلى مجموعة القواعد القانونية التي تضعها
السلطة التشريعية في الدولة في حدود الاِختصاص المخول لها دستوريا .
المطلب الثاني : خصائص التشريع
من
التعريف المتقدم للتشريع يتبين أنه يتميز بثلاث خصائص هي : أنه يتضمن
قاعدة قانونيـة و بأنه يتضمن قاعدة مكتوبة و بأنه صادر عن سلطة عامة مختصة .
الفرع الأول : التشريع يتضمن قاعدة قانونية
و
يقصد بذلك أن التشريع يتضمن قاعدة أو مجموعة من القواعد القانونية
بخصائصـها و هي أنها قواعد السلوك الاِجتماعي العامة المجردة و المصحوبة
بجـزاء قهري ، فلا تعتبر قاعـدة تشريعية اِلا تلك التي تحوز خصائص القاعدة
القانونيـة المذكورة و لذلك فلا يعتبر تشريـعا أو قاعدة تشريعية الأمر الذي
يصدر عن سلطة عامة مختصة في الدولة خاصا بشخص معين بذاته أو متعلقا بواقعة
محددة بذاتها ، اِذ لا يضع مثل هذا الأمر قاعدة عامة مجردة للسلوك و مثال
ذلك أن يصدر قرار من السلطة المختصة باِسداء وسام تقدير لشخص معين أو
باِعـلان الحداد الوطني لوفـاة شخص أدى خدمات جليلة للوطن أو بمنح اِمتيـاز
البحث عن البتـرول لشركة معينة حيث لا تعتبر هذه القرارات تشريعا من حيث
الموضوع رغم اِعتبارها كذلك من حيث الشكل نظرا لصدورها عن السلطة المختصة
باِصدار التشريع بمعناه الواسع .
الفرع الثاني : التشريع يتضمن قاعدة مكتوبة
و
معنى ذلك أن تصدر القاعدة في صورة وثيقة مكتوبة و لذلك يطلق عليه عبارة "
القانون المكتـوب " و ذلك على عكس العرف الذي يقال له " القانون غير
المكتوب " ، اِذ هو لا يفرغ في وثيقة مسطورة بل يظل معنى يستخلص من تواتر
العمل في جماعة بسنة معينة مع الاِعتقاد في اِلزامها .
الفرع الثالث : التشريع يصدر عن سلطة مختصة
اِن
تحديد السلطـة التي تملك اِصدار التشريع أمر يتفاوت تفـاوتا كبيـرا
باِختـلاف الـدول و الدساتير و بحسب ما اِذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ الفصل
بين السلطات أو تأخذ بمبـدأ وحـدة السلطة . فالسلطـة التي تضع التشريع تكون
حيـنا في يد ملك أو حاكم مطلق كما في النظم الاِستبداديـة و تكون أحيـانا
أخرى في يد هيئـة منتخبـة من طرف الشعـب كما في الدول الديمقراطية و مع ذلك
فاِن هناك تشريعات تصدر عن السلطة التنفيذية في مسائل معينة تؤهلها
وظيفتها
اِلى الاِحاطة بها و الواقع أن تحديـد من له حق التشريع من سلطات الدولـة
يخضع لظاهرة تدرج التشريعات ، اِذ يقابل هذا التدرج في التشريع تدرج في
السلطات التي تملك سنه.
المطلب الثالث : أنواع التشريع
تتعدد أنواع
التشريعـات و تتفاوت تبعا لأهمية ما تتناوله من مسـائل ، فالتشريع على أربع
درجات تتدرج في القوة : أعلاها هو التشريع الأساسي أو الدستور ، و أوسطـها
هو كل من التشريع العضوي و التشريع العادي و أدناها هو التشريع الفرعي أو
اللوائح .
الفرع الأول : التشريع الأساسي أو الدستور
هو التشريع
الأعلى في الدولة و هو يحدد شكل الدولة و نظام الحكم فيها و سلطاتها
السياسية و التشريعية و التنفيذية و القضائية . و حدود كل سلطة و علاقاتها
بالأخرى ، كما يبين الحقوق الأساسية للأفراد و قد يصدر في شكل منحة من
الحاكم باِرادته المنفردة أو في شكل عقد بين الحاكم و الشعب أو بواسطة
جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب أو بطريق الاِستفتاء الشعبي أي يؤخذ رأي
الشعب مباشرة اِعداد مشروعه بواسطة هيئة تحضيرية .
الفرع الثاني : التشريع العضوي و التشريع العادي
يقصد
بالتشريعين العضوي و المادي مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها
السلطة التشريعية في الدولة في حدود اِختصاصها المبين في الدستور و قد بين
الدستور الجزائري الحالي في المادة 122 المجالات التي يشرع فيها البرلمان
بتشريع عادي و حدد في المادة 123 المجالات التي يشرع فيها بتشريع عضوي .و
ما يميز التشريع العضوي أنه عبارة عن اِجراء تشريعي لتكملة قواعد الدستور و
اِدخالها حيز التطبيق و طبقا للمادة 123 يثبت للبرلمان حق سن التشريعات
العضوية في المجالات الآتية : تنظيم السلطات العضوية و عملها ، نظام
الاِنتخابات ، القانون المتعلق بالأحزاب السياسية ، القانون المتعلق
بالاِعلام ، القانون الأساسي للقضاة و التنظيم القضائي ، القانون المتعلق
بقوانين المالية و القانون المتعلق بالأمن الوطني .
و التشريع العادي لا
يخرج دائما في صورة واحدة ، فقد يخرج في صورة نصوص تنظم مسائل محدودة
كالتشريع المنظم لمهنة المحاماة أو مهنة الطب أو التشريع المنظم للجامعات و
قد يخرج مجمعا تجميعا علميا منطقيا يضم في وثيقة رسمية القواعد القانونية
الخاصة بفرع معين من فروع القانون بعد تبويبها و تنسيقها ورفع ما قد ما قد
يكون بينها من تضارب و تعارض و يطلق على هذه الوثيقة الرسمية اِسم التقنين
كالتقنين المدني و التقنين التجاري و غيرهما .
الفرع الثالث : التشريع الفرعي أو اللوائح
و يسمى كذلك بالتشريع اللائحي و هو التشريع الذي تصدره السلطة التنفيذية و هي اِما الحكومة و اِما الاِدارة و اللوائح ثلاثة أنواع :
أولا : اللوائح التنفيذية
و
هي القواعد التفصيليـة التي تسنها السلطة التنفيذيـة لتنفيذ التشريع
الصـادر من السلطـة التشريعية ذلك أن التشريع الذي تسنه السلطة التشريعيـة
كثيـرا ما يقتصر على ذكر القواعد العامة تاركا مهمة وضع القواعد التفصيلية
التي يقتضيها التطبيق العملي للسلطة التنفيذية .
و اِختصاص السلطة
التنفيذية بوضع اللوائح التنفيذية أمر منطقي طالما أنها هي السلطـة التي
تقوم بتنفيذ التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية . فهي بحكم وظيفتها هذه و
اِتصالها المستمر بالجمهور تكون أقدر على معرفة التفصيلات الخاصة بالتنفيذ
وفقا لضرورات العمل و ظروفه فضلا عما في ذلك من تخفيف من أعباء السلطة
التشريعية التي ينبغي أن تتفرغ لوضع المبادئ الكلية تاركة التفاصيل لعناية
السلطة التي تتولى التنفيذ و هي السلطة التنفيذية .
فطالما أن مهمة
اللوائح التنفيذية هي مجرد تنفيذ التشريع الصادر من السلطة التشريعية فيجب
أن تلتزم حدود هذا الغرض بحيث لا يجوز أن تتضمن اِلغاءا أو تعديلا لقاعدة
من قواعد هـذا التشريع .
ثانيا : اللوائح التنظيمية
هي القواعد
اللازمة التي تضعها السلطة التنفيذية ضمانا لتنظيم المصالح و المرافق
العامة في الدولة ، باِعتبارها أقدر سلطة على اِختيار النظم القانونية
الملائمـة لذلك ، طالما أنها هي التي تقوم باِدارة هذه المصالح و المرافق .
و
السلطة التنفيذيـة و هي تسن هذه القواعـد لا تتقيد بأي تشريع معين صادر من
السلطــة التشريعية تعمل على تنفيذه بل تستقل بذبك . ولذا فقد أطلق على
اللوائح التنظيمية اِسم" اللوائح
المستقلة " .
ثالثـا : لوائح الضبط أو البوليس
هي
القواعد التي تضعها السلطة التنفيذيـة للمحافظة على الأمن و توفير
السكينـة و الطمأنينة و حماية الصحة العامة فهي عبارة عن القيود التشريعية
التي يقتضيها الصالح العامـة و التي تضعها هذه السلطة على الحريات العامـة و
من أمثلتها اللوائح المنظمـة للمرور و اللوائـح المنظمـة للمحلات المقلقـة
للراحة أو المضرة بالصحة و اللوائح الخاصة المراقبـة الأغذيـة و الباعة
المتجولين و منع اِنتشار الأوبئة .
و هذه اللوائح قائمة بذاتها اِذ تصدر
من السلطة التنفيذيـة مستقلة عن أي تشريـع تعمل على تنفيذيه و هي بذلك
تتفق مع اللوائح التنظيمية و تختلف عن اللوائح التنفيذية .
المبحث الثاني : المصادر الاِحتياطية للقاعدة القانونية
كلنّا
يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي
الأوّل و لكنّ التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي
في هذه الحال إلى مصادر أخرى فرعية تدعى المصادر الاحتياطية للقانون و يكون
مجبرا على تطبيقها و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة و هذه
المصادر سنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة
الإسلامية، كمصدر رسميّ احتيـاطيّ بعد التّشريع و هذا نظرًا لشمولــية
الدّين الإسـلامي و ما يتضّمنّه من أحكام عامّة و شاملة ، فالشريعة
الإسلامية حسب اتفّاق العلماء هي مصـدر كلّ تشريع ، أو تنظيم في المجتمع
الإسـلامي ، لِيليها العرف ثمّ مبـادئ القانـون الطّبيـعي و قواعد العدالة .
المطلب الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي احتياطي للقانون .
تعدّ
الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيب المادّة
الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،و رسميا في نفس
الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة - الرّوحية، و
الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبها المختلفة.
الفرع الأول : مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا.
لغـــة
: تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛
و من هذا المعنى قوله تعالى في سورة الجاثية : >> ثم جعلناك على
شريعة من الأمر فاتبّعها، و لا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون << (08).
و
الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:'' شرعت
الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّ بها
حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في
الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعباده على لسـان
رسول مــن الرّسل ، فسميّت هذه الأحكام بالشريعـة لأنّها مستقيمة لا انحراف
فيها عن الطّريـق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها و لا يلتوي عن
مقاصدها.أمّا الإسلامية: فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذي يستعمل في
الاصطلاح الشّرعي بمعنى الانقياد لأوامر الله و التّسليم بقضائه ، و
أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدة الإسلامية
فالدّين و الشّريعة و الملّة بمعنى واحد.
و من الشّريعة الإسلاميّة
بمعناها الفقهي اشتّق الشّرع و التّشريع بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء
عن طريق الأديان و يسمّى تشريعا سمويًا أم كانت من وضع البشر و صنعهم
فتسمّى تشريعا وضعيًّا.
الفرع الثاني : مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد
اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر وهي القرآن ، السنّة ،
الإجماع و القياس و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضي الله عنه) "الذي
بعثه رسول الله(صلّى الله عليه و سلم) قاضيا بالإسلام إلى اليمن ، فقال له
الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟ قال: أقضي بكتاب الله.
قال: فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال: فبسنّة رسول الله . قال: فإن لم تجد
في سنّة رسول الله. قال:أجتهد برأيي و لا آلو.أي لا اُقصّر في الاجتهاد .
فضرب رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) على صدره، و قال: الحمد لله الذي
وفّق رسول الله لما يرضى الله ، و رسوله".
الفرع الثالث : مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري .
إنّ
الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة
الأولى من القانون المدني على ذلك ، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في
التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية و يقوم باستخلاصها من
الكتاب و السنّة و الإجماع و القيّاس و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية
المصدر الرّسمي الثاني بعد التّشريع .
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا
مصدرا مادّيا للقانون الجزائري و المقصود بذلك أنّ المصدر المـادّي أو جوهر
بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية فيعدّ
قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج و الطّلاق
و الولاية و الميراث و الوصيّة و الوقف وتعدّ الشريعة الإسلامية أيضا
مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالة الدّين و كذلك استّمد
القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفـات المريـض مرض الموت من الشريعة
الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة في الشريعة الإسلاميّـة
مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروف الطّارئة التّي نصّ عليها
القانون الوضـعي مأخوذة من نظرية العذر في الشريـعة الإسلامية و إن كان
يترّتب عليها فسخ العقد بالنّسبــة لمبادئ الشريعـة الإسلاميّة بينما
يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاء العقـد قائما بالنّسبـة للقانون
الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا
للمادّة 454 من القانون المدني و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة
الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض
النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ القاضي ملزم بالنّص التّشريعي و لا يرجع
إلى مبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمساعدته على تفسير النّصوص المستمدّة
منها .
المطلب الثاني : العرف كمصدر رسمي احتياطي للقانون.
الفرع الأول : مفهوم العرف .
العرف
هو ما ألّفه النّاس و ساروا عليه في تصّرفاتهم سواء كان فعلا أو قولا دون
أن يصـادم نصّا .و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ
البشريـة بدأت بعادات و أعـراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها . و لا يزال
العرف إلى يومنا هذا من أهمّ المصادر للقوانيـن (المادّة 1/2 من القانون
المدني الجزائري ).و الشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف
في المجتمع العربي فأقرّت الصالح منها و ألغت الفاسد من تلك العادات و
الأعراف.
أولا : الركن المادّي
و يتمثّل في اطّراد أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها شروط أساسيّة و هي:
- أن تكون عامّة و يكفي أن تكون كذلك و لو كان العرف محلّيا أو مهنيا.
-
أن تكون قديمة أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيد استقرارها. و تختلف
هذه المدّة باختلاف البيئة و هكذا تتحقّق الأقدمية للعادة التي تنشأ في
البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنة بالعادة التي تنشأ في
بيئة زراعية.
- أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.
ثانيا : الركن المعنوي
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة ، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّها
أصبحت
قاعدة قانونية و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها و لا يوجد ضابط يمكن
الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشعور بإلزام العرف. و
لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متى استقرّ أصبحت العادّة عرفا. و الركن
المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف
و العادّة إذ لو افتقدت العادّة الركن
المعنوي، ظلّت عادة فقط و ليست عرفا، فتكون غير واجبة التّطبيق كما أنّ
التقاليد الاجتماعية كالعادات المتعلّقة بآداب الزيارات و التهنئة و تقديم
الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عادات عامّة ثابتة،و قديمة،فإنّها ليست
عرفا لعدم شعور النّاس بإلزاميتها فمخالفتها لا يترّتب عنها جزاء.
الفرع الثالث : دور العرف .
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصحّ مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ
الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره
المكملّ للتّشريع فإذا وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع
قانوني مثلا،و ذلك تطبيقا للمادّة الأولى من القانون المدني التّي تنّص على
ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من جهة و
لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها
المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرف المكمّل في
القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين:أولّهما أنّ سكوت
المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجود عرف ثابت يدّل في ذاته على
صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلى تدّخل المشرّع لتـغييره و
ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّة
الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانوني يكون
آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجع إليها
على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف دوره
على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّي تسري
في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفس الوتيرة، و
القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن
يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته
غالبا ما يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما
تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد اتّفاق أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء
مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قد يلعب العرف دورا في
تحديد مضمون النصّ التّشريعي و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر أنّ العقد
لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من
مستلزماته وفقا للقانون والعـرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام ( م 107 من
القانون المدني )
و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرف لتحديد المقصود
بعبارة " مستلزمات العقد "، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوب التـّي يتضـمنّها
المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيع التّي تحدّد بحسب ما
يقضي به العرف (المادّة 365 ف1من القانون المدني ) كما يكون للعرف أيضا
دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف
للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرّف على نيّة المتعاقدين مثلا في المادّة
111 ف2 من القانون المدني التّي تنّص على أنّه " إذا كان هـناك محلّ لتأويل
العـقد فيجـب البحث عـن النيـّة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند
المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي
أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات
".
المطلب الثالث : مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة .
ذكر
المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون
الطّبيعي و قواعد العدالة كمصدر يمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد
قــاعدة يطّبقها لا في التّشريع و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين
سابقا أي مبادئ الشّريعة الإسلامية و العرف.
الفرع الأول : المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي ، و قواعد العدالة .
القانون
الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع كالقيم الإنسانية
المتعلّقة بالخير و الشرّ و هناك من عرّفها أنّها مجموعة المبادئ العليا
التّي يسلّم العقل الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين
الأفراد داخل المجتمع الإسلامي ، أمّا قواعــد العدالـة فهي تلك الفكرة
المرنـة و التّي يختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بين المـبادئ
المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان و حماية الملكية الأدبية و
الفنيّة و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
الفرع الثاني : المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة .
لكي
نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة
لابدّ من التّذكير بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنينات، و
أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي
يعتبر المصدر المادّي الأساسي للقانون الوضعي، إذ يستلهمه المشرّع من
مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقــها
القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟
يتبيّن
من قـراءة أوليّة للمـادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب
مبادئ القانـون الطّبيعي و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين
المصادر الرّسمية الاحتياطية و لكن سرعان ما يتبيّن من قراءة تحليلية، و
تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة
إليه اعتباره حقيقـة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّـا و لكن مجرّد مصـدر مادّي
يستعين به القاضي في إيجاد الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في
إيجاد هذا الحلّ، المصـادر الأصلية و الاحتياطية.
فمن زاوية تحليليـة
لفكرة القانـون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصـادر الاحتياطيـة الأخرى
لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقـة محدّدة قابلة للتّطبيق ، إذ هو
من المبادئ و القيّم المثالية التي تقوم بها البشريـة جمعاء فالقاضـي لا
يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا
و إنّما يعتمد عل هذه المبادئ المثالية
و يضع نفسه في مكان المشرّع و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّقها على
النّزاع المعروض عليه ، لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي
وضعت من أجــل حلّه فالقاضي يطبّق القانون و لا ينشئه و ممّا يؤكدّ هذه
الفكـرة أنّ الفقهـاء بما فيهم كبار أنصار القانون الطّبيـعي لم ينظروا
أبدا إليه كمجـرّد قانون يتضمـنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي
يستخلصها من هذا القانون المشرّعون حسب الوضـع الاجتماعي الذي يريدون
تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون،
بل مصدرًا احتياطيًّا له.
الفرع الثالث : مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إننّا
نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالـة القاضي إلى
مبادئ القانـون الطبيعي ، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره ذلك أنّ هذه
المادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعد
التشريع و مبادئـها هي الأدّق و الأكثر انضباطا لكن مبــادئ القانون
الطبيعي ، و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل
إليها.
المبحث الثالث : المصادر التفسيرية للقاعدة القانونية
يراد
بالتفسير اِيضاح معنى القاعدة القانونية اِذا شابها الغموض و يقصد
بالمصادر التفسيرية المراجع التي يلاذ بها لتجلية ما قد يكتنف القاعدة
القانونية من غموض و كشف ما قد يشوبها من لبس أو يعتريها من اِبهام أو ما
يحيط بها من تناقض فالمصادر التفسيرية هي ما به يستنير القاضي في سبيل
الوقوف على حقيقة القواعد التي تمده بها مصادرها الرسمية و المصادر
التفسيرية في أغلب القوانين الحديثة هي الفقه و القضاء.
المطلب الأول : الفقــــه
يطلق اِصطلاح الفقه على أحد معنيين :
1/
فقد يقصد بهذا المصطلح مجموعة الآراء التي يقول بها علماء القانون و هم
يشرحون أو ينتقدون قواعد القانون في مؤلفاتهم و يستنبطون الحلول على ضوء
شرحهم لتلك القواعد أو يعلقون على أحكام القضاء .
2/ و قد هذا الاِصطلاح على مجموع فقهاء القانون ذاتهم .
و
الفقه بمعناه السابق يظهر في الواقع بأعمال ذات طبيعة و أشكال مختلفة
صادرة عن اساتذة القانون الجامعيين و عن القضاة و المحامين و الموثقين لذا
يمكننا أن نقول اِن الفقه هو عبارة عن الآراء المنشورة لرجال القانون . و
قد تفاوتت نظرة الشرائع اِلى دور الفقه ، فقد كان الفقه مصدرا رسميا في بعض
الشرائع القديمة و في الشريعة الاِسلامية قبل أن ينتهي الأمر به في شرائع
العصر الحديث اِلى أن يصبح مصدرا تفسيريا مجردا من صفة الاِلزام .
الفرع الأول : الفقه مصدر رسمي في الشريعة الاِسلامية .
كان
للفقه دور عظيم في الشريعة الاِسلامية ، ذلك ان القرآن و السنة و هما
مصدرا الشريعة الاِسلامية الأساسيان جاءا متضمنين المبادئ الكلية و القواعد
العامة لأحكام الدين الاِسلامي، مع تفصل بعض الأحكام التي تنظم حقوق الله و
مصالح العباد . فقام فقهاء هذه الشريعة ببيان مجال و شروط تطبيق تلك
المبادئ و القواعد و الأحكام على الوقائع المختلفة و ذلك عن طريق الاِجماع و
القياس الذين يعتبران خلاصة اِجتهادهم و عصارة آرائهم . فظهرت المذاهب
الاِسلامية المختلفة و أشهرها المذاهب الأربعة المعروفة التي تم على أيدي
فقهائها العظام تأصيل مناهج البحث و تفريع حلول كثيرة منها ، حتى غدت
الشريعة الاِسلامية نظاما قانونيا متكاملا ينافس أحدث و أرقى الشرائع .
الفرع الثاني : الفقه في الشرائع الحديثة مصدر تفسيري .
أصبح
الفقه في الشرائع الوضعية في الحديثة مجرد مصدر تفسيري للقانون و معلق على
أحكام القضاء ، فمهما بلغت درجة الفقيه العلمية فاِن آراءه لم تعد تلزم
القاضي بالحكم وفقا لها ، بل اِن القاضي لم يعد يتقيد حتى برأي اِنعقد عليه
اِجماع الفقهاء و بذلك فلا يجوز الطعن في حكم ما أما المحكمة العليا لمجرد
أنه خالف آراء الفقهاء أو لمجرد أنه خرج على اِجماعهم ، فقد اِنعدم دور
الفقه كمصدر رسمي لقواعد القانون و أصبح يقتصر على تفسير هذه القواعد و ذلك
اِما بالاِشارة اِلى أوجه النقص أو القصور أو الغموض فيها و اِما
بالاِشارة اِلى الطريقة التي يجب وفقا لها تطبيق القواعد القانونية
الموجودة .
و على غرار دور الفقه في الشرائع الحديثة ، فاِن الفقه في
القانون الجزائري يعتبر مصدرا تفسيريا ، اِذ ليس للفقيه أية صفة في وضع
القواعد القانونية ، كما أن آراءه ليست ملزمة للمشرع و لا للقاضي الذين
لهما أن يستأنسا به فيأخذاه أو يدعاه و خير دليل على ذلك أن المادة الأولى
من تقنيننا المدني التي تعدد المصادر الرسمية للقانون الجزائري لم تذكره من
بينها .
المطلب الثاني : القضـــاء
يقصد بلفظ القضاء أحد معنيين :
1/
فقد يطلق هذا اللفظ للدلالة على السلطة القضائية ، أي الجهاز الذي الفني
الذي يقوم على مرفق العدالة و الذي يتكون من مجموع المحاكم الموجودة في
الدولة التي تتولى أمر الفصل في القضايا المطروحة أمامها .
2/ و قد يطلق
هذا اللفظ للتعبير عن مجموع المبادئ القانونية المستخلصة من اِستقرار
أحكام المحاكم على أتباعها و الحكم بها عند تطبيقها للقانون .
و على غرار الفقه فقد اِختلفت النظرة اِلى القضاء كمصدر للقانون باِختلاف الأزمان و الشرائع .
الفرع الأول : مركز القضاء في الشريعة الاِسلامية .
كان
القضاء أحد مصادر الاِلزام بالقواعد القانونية في الشريعة الاِسلامية في
عهدها الأول و خاصة في عهد الخلفاء الراشدين ، غير أن عظمة منزلة فقهاء
الشريعة الاِسلامية لم تمكن القضاء من المحافظة على هذا الدور ، اِذ أدت
هذه المنزلة الرفيعة للفقه اِلى بسط سلطانه على القضاء الذي غدا مجرد تطبيق
لآراء الفقهاء بل اِن العمل كان يجري على اِختيار القضاة من بين الفقهاء
البارزين ذوي التفسيرات و الشروح الفقهية التي كانوا يستنبطون قواعدها من
أحكام مختلف مصادر الشريعة الاِسلامية و هذا ماجعل القضاء يمتزج بالفقه ،
ذلك أن القاضي كان فقيها و الفقيه قاضيا . و من ثم كان من الصعب تمييز
القضاء عن الفقه و هذا أيضا ما جعل القضاء ينتهي في الكثير من المجتمعات
الاِسلامية اِلى التقيد بمذهب فقهي معين و اِلزام القضاة بالحكم على مقتضى
آرائه . و هذا يبدوا واضحا اليوم بالنسبة للجزائر مثلا ، حيث يلتزم القضاة
في كثير من المسائل المعروضة عليه التي لا يجد في تقنين الأسرة مثلا أحكاما
تنظمها بالرجوع أولا اِلى أرجح الأقوال في المذهب المالكي باِعتبار مبادئه
مصدرا اِحتياطيا لمسائل الأحوال الشخصية .
الفرع الثاني : مركز القضاء في الشرائع الحديثة .
لا
يزال القضاء في بعض الشرائع الحديثة مصدرا رسميا لقواعد القانون و اِن كان
قد أصبح في أغلب هذه الشرائع مجرد مصدر تفسيري للقانون .
الخاتمــة
و
في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادر
الرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية و القاضي يجب عليه
فصل النّزاع المعروض عليه و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّة و
التفسيرية للقـانون . نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حال قصور التشريع .
و قد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصدر من المصادر حقّه في الشّرح و
التّفصيل ، على ضوء ما وجدناه في المصادر، و المراجع القانونية التي بحثنا
فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا و وضحنّا و لو جزءا بسيطا من موضوع بحــثنا و
إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا و تبارك ذو الكمال سبحـانه جلّ و على
، عليه توّكلـنّا و استعنا و استهللنا عرضنا
و بحمده نختمه ، و سلام على إمام الهادين ، و على الأنبياء، و المرسلين و الصّحابة أجمعين و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نظرا لتعدد القواعد القانونية و اِختلاف التعبير عن اِرادة الدولة و أفرادها فاِنه من المحتم أن تتعدد مصادر قواعد القانون و تعني كلمة "مصدر" المنبع الذي تخرج منه القاعدة القانونية و البحث عن مصدر القاعدة القانونية هو البحث عن السبب المنشئ لها في مجتمع معين اِذ اِن القاعدة القانونية لا يمكن أن تنشأ من العدم فلا شيء يوجد من لاشيء بل لابد من وجود سبب منشىء لها طبقا لمبدأ السبب أو ما يسمى السببية .
و يساهم في تكوين القاعدة القانونية مصدران أساسيان و هما : المصادر الأصلية أو الرسمية و المصادر الاِحتياطيـة و التفسيرية ، فياترى ماهي هذه المصادر ؟ ومالعلاقـة بينها ؟
المبحث الأول : المصدر الرسمي الأصلي ( التشريع )
لقد كان العرف في المجتمعات القديمة المصدر الرسمي الأول بحيث يمكن القول بأن العصور القديمة هي عصور العرف و الدين أما حظ التشريع اِلى جانبه فقد كان ضئيلا ، لكن العرف تقهقر و لا يزال اِلى اليوم يتقهقر في أهميته فغدت الصدارة في القانون الحديث للتشريع في الاِلزام بالقواعد القانونية ، حتى أمكن القول بأن العصر الحديث هو عصر التشريع .
و تقتضي دراسة موضوع التشريع أن نعرض أولا تعريفه و ثانيا خصائصـه و ثالثـا لأنواع التشريع و سيكون كل ذلك في ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريف التشريع
يطلق اِصطلاح التشريع على معنيين : عام و خاص .
الفرع الأول : المعنى العام للتشريع
التشريع كمصدر للقانون في مفهومه الواسع la législation يقصد به أحد الأمرين :
الأمر الأول : هو عملية قيام السلطات المختصة في الدولة بوضع قواعد جبرية مكتوبة لتنظيم العلاقات في المجتمع و ذلك في حدود اِختصاصاتها وفقا للاِجراءات المقررة لذلك .
الأمر الثاني : هو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة ذاتها التي تم وضعها من قبل السلطـات المختصة في الدولة لحكم علاقات الأفراد في المجتمع سواء كانت هذه السلطة هي السلطــة التشريعية أو هي السلطة التنفيذية .
و بذلك يستعمل اِصطلاح التشريع في مفهومـه الواسع تارة بمعنى مصدر القواعد القانونيـة المكتوبة و تارة أخرى بمعنى القواعد المستمدة من هذا المصدر .
الفرع الثاني : المعنى الخاص للتشريع
ينصرف المعنى الخاص للتشريع la loi اِلى مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود الاِختصاص المخول لها دستوريا .
المطلب الثاني : خصائص التشريع
من التعريف المتقدم للتشريع يتبين أنه يتميز بثلاث خصائص هي : أنه يتضمن قاعدة قانونيـة و بأنه يتضمن قاعدة مكتوبة و بأنه صادر عن سلطة عامة مختصة .
الفرع الأول : التشريع يتضمن قاعدة قانونية
و يقصد بذلك أن التشريع يتضمن قاعدة أو مجموعة من القواعد القانونية بخصائصـها و هي أنها قواعد السلوك الاِجتماعي العامة المجردة و المصحوبة بجـزاء قهري ، فلا تعتبر قاعـدة تشريعية اِلا تلك التي تحوز خصائص القاعدة القانونيـة المذكورة و لذلك فلا يعتبر تشريـعا أو قاعدة تشريعية الأمر الذي يصدر عن سلطة عامة مختصة في الدولة خاصا بشخص معين بذاته أو متعلقا بواقعة محددة بذاتها ، اِذ لا يضع مثل هذا الأمر قاعدة عامة مجردة للسلوك و مثال ذلك أن يصدر قرار من السلطة المختصة باِسداء وسام تقدير لشخص معين أو باِعـلان الحداد الوطني لوفـاة شخص أدى خدمات جليلة للوطن أو بمنح اِمتيـاز البحث عن البتـرول لشركة معينة حيث لا تعتبر هذه القرارات تشريعا من حيث الموضوع رغم اِعتبارها كذلك من حيث الشكل نظرا لصدورها عن السلطة المختصة باِصدار التشريع بمعناه الواسع .
الفرع الثاني : التشريع يتضمن قاعدة مكتوبة
و معنى ذلك أن تصدر القاعدة في صورة وثيقة مكتوبة و لذلك يطلق عليه عبارة " القانون المكتـوب " و ذلك على عكس العرف الذي يقال له " القانون غير المكتوب " ، اِذ هو لا يفرغ في وثيقة مسطورة بل يظل معنى يستخلص من تواتر العمل في جماعة بسنة معينة مع الاِعتقاد في اِلزامها .
الفرع الثالث : التشريع يصدر عن سلطة مختصة
اِن تحديد السلطـة التي تملك اِصدار التشريع أمر يتفاوت تفـاوتا كبيـرا باِختـلاف الـدول و الدساتير و بحسب ما اِذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات أو تأخذ بمبـدأ وحـدة السلطة . فالسلطـة التي تضع التشريع تكون حيـنا في يد ملك أو حاكم مطلق كما في النظم الاِستبداديـة و تكون أحيـانا أخرى في يد هيئـة منتخبـة من طرف الشعـب كما في الدول الديمقراطية و مع ذلك فاِن هناك تشريعات تصدر عن السلطة التنفيذية في مسائل معينة تؤهلها
وظيفتها اِلى الاِحاطة بها و الواقع أن تحديـد من له حق التشريع من سلطات الدولـة يخضع لظاهرة تدرج التشريعات ، اِذ يقابل هذا التدرج في التشريع تدرج في السلطات التي تملك سنه.
المطلب الثالث : أنواع التشريع
تتعدد أنواع التشريعـات و تتفاوت تبعا لأهمية ما تتناوله من مسـائل ، فالتشريع على أربع درجات تتدرج في القوة : أعلاها هو التشريع الأساسي أو الدستور ، و أوسطـها هو كل من التشريع العضوي و التشريع العادي و أدناها هو التشريع الفرعي أو اللوائح .
الفرع الأول : التشريع الأساسي أو الدستور
هو التشريع الأعلى في الدولة و هو يحدد شكل الدولة و نظام الحكم فيها و سلطاتها السياسية و التشريعية و التنفيذية و القضائية . و حدود كل سلطة و علاقاتها بالأخرى ، كما يبين الحقوق الأساسية للأفراد و قد يصدر في شكل منحة من الحاكم باِرادته المنفردة أو في شكل عقد بين الحاكم و الشعب أو بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب أو بطريق الاِستفتاء الشعبي أي يؤخذ رأي الشعب مباشرة اِعداد مشروعه بواسطة هيئة تحضيرية .
الفرع الثاني : التشريع العضوي و التشريع العادي
يقصد بالتشريعين العضوي و المادي مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود اِختصاصها المبين في الدستور و قد بين الدستور الجزائري الحالي في المادة 122 المجالات التي يشرع فيها البرلمان بتشريع عادي و حدد في المادة 123 المجالات التي يشرع فيها بتشريع عضوي .و ما يميز التشريع العضوي أنه عبارة عن اِجراء تشريعي لتكملة قواعد الدستور و اِدخالها حيز التطبيق و طبقا للمادة 123 يثبت للبرلمان حق سن التشريعات العضوية في المجالات الآتية : تنظيم السلطات العضوية و عملها ، نظام الاِنتخابات ، القانون المتعلق بالأحزاب السياسية ، القانون المتعلق بالاِعلام ، القانون الأساسي للقضاة و التنظيم القضائي ، القانون المتعلق بقوانين المالية و القانون المتعلق بالأمن الوطني .
و التشريع العادي لا يخرج دائما في صورة واحدة ، فقد يخرج في صورة نصوص تنظم مسائل محدودة كالتشريع المنظم لمهنة المحاماة أو مهنة الطب أو التشريع المنظم للجامعات و قد يخرج مجمعا تجميعا علميا منطقيا يضم في وثيقة رسمية القواعد القانونية الخاصة بفرع معين من فروع القانون بعد تبويبها و تنسيقها ورفع ما قد ما قد يكون بينها من تضارب و تعارض و يطلق على هذه الوثيقة الرسمية اِسم التقنين كالتقنين المدني و التقنين التجاري و غيرهما .
الفرع الثالث : التشريع الفرعي أو اللوائح
و يسمى كذلك بالتشريع اللائحي و هو التشريع الذي تصدره السلطة التنفيذية و هي اِما الحكومة و اِما الاِدارة و اللوائح ثلاثة أنواع :
أولا : اللوائح التنفيذية
و هي القواعد التفصيليـة التي تسنها السلطة التنفيذيـة لتنفيذ التشريع الصـادر من السلطـة التشريعية ذلك أن التشريع الذي تسنه السلطة التشريعيـة كثيـرا ما يقتصر على ذكر القواعد العامة تاركا مهمة وضع القواعد التفصيلية التي يقتضيها التطبيق العملي للسلطة التنفيذية .
و اِختصاص السلطة التنفيذية بوضع اللوائح التنفيذية أمر منطقي طالما أنها هي السلطـة التي تقوم بتنفيذ التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية . فهي بحكم وظيفتها هذه و اِتصالها المستمر بالجمهور تكون أقدر على معرفة التفصيلات الخاصة بالتنفيذ وفقا لضرورات العمل و ظروفه فضلا عما في ذلك من تخفيف من أعباء السلطة التشريعية التي ينبغي أن تتفرغ لوضع المبادئ الكلية تاركة التفاصيل لعناية السلطة التي تتولى التنفيذ و هي السلطة التنفيذية .
فطالما أن مهمة اللوائح التنفيذية هي مجرد تنفيذ التشريع الصادر من السلطة التشريعية فيجب أن تلتزم حدود هذا الغرض بحيث لا يجوز أن تتضمن اِلغاءا أو تعديلا لقاعدة من قواعد هـذا التشريع .
ثانيا : اللوائح التنظيمية
هي القواعد اللازمة التي تضعها السلطة التنفيذية ضمانا لتنظيم المصالح و المرافق العامة في الدولة ، باِعتبارها أقدر سلطة على اِختيار النظم القانونية الملائمـة لذلك ، طالما أنها هي التي تقوم باِدارة هذه المصالح و المرافق .
و السلطة التنفيذيـة و هي تسن هذه القواعـد لا تتقيد بأي تشريع معين صادر من السلطــة التشريعية تعمل على تنفيذه بل تستقل بذبك . ولذا فقد أطلق على اللوائح التنظيمية اِسم" اللوائح
المستقلة " .
ثالثـا : لوائح الضبط أو البوليس
هي القواعد التي تضعها السلطة التنفيذيـة للمحافظة على الأمن و توفير السكينـة و الطمأنينة و حماية الصحة العامة فهي عبارة عن القيود التشريعية التي يقتضيها الصالح العامـة و التي تضعها هذه السلطة على الحريات العامـة و من أمثلتها اللوائح المنظمـة للمرور و اللوائـح المنظمـة للمحلات المقلقـة للراحة أو المضرة بالصحة و اللوائح الخاصة المراقبـة الأغذيـة و الباعة المتجولين و منع اِنتشار الأوبئة .
و هذه اللوائح قائمة بذاتها اِذ تصدر من السلطة التنفيذيـة مستقلة عن أي تشريـع تعمل على تنفيذيه و هي بذلك تتفق مع اللوائح التنظيمية و تختلف عن اللوائح التنفيذية .
المبحث الثاني : المصادر الاِحتياطية للقاعدة القانونية
كلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل و لكنّ التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحال إلى مصادر أخرى فرعية تدعى المصادر الاحتياطية للقانون و يكون مجبرا على تطبيقها و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة و هذه المصادر سنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدر رسميّ احتيـاطيّ بعد التّشريع و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسـلامي و ما يتضّمنّه من أحكام عامّة و شاملة ، فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماء هي مصـدر كلّ تشريع ، أو تنظيم في المجتمع الإسـلامي ، لِيليها العرف ثمّ مبـادئ القانـون الطّبيـعي و قواعد العدالة .
المطلب الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي احتياطي للقانون .
تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيب المادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،و رسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة - الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبها المختلفة.
الفرع الأول : مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا.
لغـــة : تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ و من هذا المعنى قوله تعالى في سورة الجاثية : >> ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، و لا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون << (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:'' شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّ بها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعباده على لسـان رسول مــن الرّسل ، فسميّت هذه الأحكام بالشريعـة لأنّها مستقيمة لا انحراف فيها عن الطّريـق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها و لا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية: فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذي يستعمل في الاصطلاح الشّرعي بمعنى الانقياد لأوامر الله و التّسليم بقضائه ، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدة الإسلامية فالدّين و الشّريعة و الملّة بمعنى واحد.
و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي اشتّق الشّرع و التّشريع بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان و يسمّى تشريعا سمويًا أم كانت من وضع البشر و صنعهم فتسمّى تشريعا وضعيًّا.
الفرع الثاني : مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر وهي القرآن ، السنّة ، الإجماع و القياس و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضي الله عنه) "الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه و سلم) قاضيا بالإسلام إلى اليمن ، فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال: فبسنّة رسول الله . قال: فإن لم تجد في سنّة رسول الله. قال:أجتهد برأيي و لا آلو.أي لا اُقصّر في الاجتهاد . فضرب رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) على صدره، و قال: الحمد لله الذي وفّق رسول الله لما يرضى الله ، و رسوله".
الفرع الثالث : مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري .
إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المدني على ذلك ، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية و يقوم باستخلاصها من الكتاب و السنّة و الإجماع و القيّاس و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر الرّسمي الثاني بعد التّشريع .
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري و المقصود بذلك أنّ المصدر المـادّي أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج و الطّلاق و الولاية و الميراث و الوصيّة و الوقف وتعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالة الدّين و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفـات المريـض مرض الموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة في الشريعة الإسلاميّـة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروف الطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضـعي مأخوذة من نظرية العذر في الشريـعة الإسلامية و إن كان يترّتب عليها فسخ العقد بالنّسبــة لمبادئ الشريعـة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاء العقـد قائما بالنّسبـة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ القاضي ملزم بالنّص التّشريعي و لا يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمساعدته على تفسير النّصوص المستمدّة منها .
المطلب الثاني : العرف كمصدر رسمي احتياطي للقانون.
الفرع الأول : مفهوم العرف .
العرف هو ما ألّفه النّاس و ساروا عليه في تصّرفاتهم سواء كان فعلا أو قولا دون أن يصـادم نصّا .و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشريـة بدأت بعادات و أعـراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها . و لا يزال العرف إلى يومنا هذا من أهمّ المصادر للقوانيـن (المادّة 1/2 من القانون المدني الجزائري ).و الشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمع العربي فأقرّت الصالح منها و ألغت الفاسد من تلك العادات و الأعراف.
أولا : الركن المادّي
و يتمثّل في اطّراد أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها شروط أساسيّة و هي:
- أن تكون عامّة و يكفي أن تكون كذلك و لو كان العرف محلّيا أو مهنيا.
- أن تكون قديمة أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيد استقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة و هكذا تتحقّق الأقدمية للعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنة بالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
- أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.
ثانيا : الركن المعنوي
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة ، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّها
أصبحت قاعدة قانونية و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها و لا يوجد ضابط يمكن الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشعور بإلزام العرف. و لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متى استقرّ أصبحت العادّة عرفا. و الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف
و العادّة إذ لو افتقدت العادّة الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط و ليست عرفا، فتكون غير واجبة التّطبيق كما أنّ التقاليد الاجتماعية كالعادات المتعلّقة بآداب الزيارات و التهنئة و تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عادات عامّة ثابتة،و قديمة،فإنّها ليست عرفا لعدم شعور النّاس بإلزاميتها فمخالفتها لا يترّتب عنها جزاء.
الفرع الثالث : دور العرف .
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصحّ مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فإذا وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلك تطبيقا للمادّة الأولى من القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من جهة و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرف المكمّل في القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين:أولّهما أنّ سكوت المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجود عرف ثابت يدّل في ذاته على صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلى تدّخل المشرّع لتـغييره و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّة الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانوني يكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجع إليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف دوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّي تسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفس الوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غالبا ما يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد اتّفاق أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قد يلعب العرف دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعـرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام ( م 107 من القانون المدني )
و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرف لتحديد المقصود بعبارة " مستلزمات العقد "، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوب التـّي يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيع التّي تحدّد بحسب ما يقضي به العرف (المادّة 365 ف1من القانون المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرّف على نيّة المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 من القانون المدني التّي تنّص على أنّه " إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقد فيجـب البحث عـن النيـّة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".
المطلب الثالث : مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة .
ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة كمصدر يمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا في التّشريع و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا أي مبادئ الشّريعة الإسلامية و العرف.
الفرع الأول : المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي ، و قواعد العدالة .
القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالخير و الشرّ و هناك من عرّفها أنّها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّم العقل الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخل المجتمع الإسلامي ، أمّا قواعــد العدالـة فهي تلك الفكرة المرنـة و التّي يختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان و حماية الملكية الأدبية و الفنيّة و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
الفرع الثاني : المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة .
لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة لابدّ من التّذكير بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنينات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأساسي للقانون الوضعي، إذ يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقــها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟
يتبيّن من قـراءة أوليّة للمـادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانـون الطّبيعي و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية و لكن سرعان ما يتبيّن من قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليه اعتباره حقيقـة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّـا و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعين به القاضي في إيجاد الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصـادر الأصلية و الاحتياطية.
فمن زاوية تحليليـة لفكرة القانـون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصـادر الاحتياطيـة الأخرى لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقـة محدّدة قابلة للتّطبيق ، إذ هو من المبادئ و القيّم المثالية التي تقوم بها البشريـة جمعاء فالقاضـي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا
و إنّما يعتمد عل هذه المبادئ المثالية و يضع نفسه في مكان المشرّع و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّقها على النّزاع المعروض عليه ، لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه فالقاضي يطبّق القانون و لا ينشئه و ممّا يؤكدّ هذه الفكـرة أنّ الفقهـاء بما فيهم كبار أنصار القانون الطّبيـعي لم ينظروا أبدا إليه كمجـرّد قانون يتضمـنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستخلصها من هذا القانون المشرّعون حسب الوضـع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.
الفرع الثالث : مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالـة القاضي إلى مبادئ القانـون الطبيعي ، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره ذلك أنّ هذه المادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعد التشريع و مبادئـها هي الأدّق و الأكثر انضباطا لكن مبــادئ القانون الطبيعي ، و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
المبحث الثالث : المصادر التفسيرية للقاعدة القانونية
يراد بالتفسير اِيضاح معنى القاعدة القانونية اِذا شابها الغموض و يقصد بالمصادر التفسيرية المراجع التي يلاذ بها لتجلية ما قد يكتنف القاعدة القانونية من غموض و كشف ما قد يشوبها من لبس أو يعتريها من اِبهام أو ما يحيط بها من تناقض فالمصادر التفسيرية هي ما به يستنير القاضي في سبيل الوقوف على حقيقة القواعد التي تمده بها مصادرها الرسمية و المصادر التفسيرية في أغلب القوانين الحديثة هي الفقه و القضاء.
المطلب الأول : الفقــــه
يطلق اِصطلاح الفقه على أحد معنيين :
1/ فقد يقصد بهذا المصطلح مجموعة الآراء التي يقول بها علماء القانون و هم يشرحون أو ينتقدون قواعد القانون في مؤلفاتهم و يستنبطون الحلول على ضوء شرحهم لتلك القواعد أو يعلقون على أحكام القضاء .
2/ و قد هذا الاِصطلاح على مجموع فقهاء القانون ذاتهم .
و الفقه بمعناه السابق يظهر في الواقع بأعمال ذات طبيعة و أشكال مختلفة صادرة عن اساتذة القانون الجامعيين و عن القضاة و المحامين و الموثقين لذا يمكننا أن نقول اِن الفقه هو عبارة عن الآراء المنشورة لرجال القانون . و قد تفاوتت نظرة الشرائع اِلى دور الفقه ، فقد كان الفقه مصدرا رسميا في بعض الشرائع القديمة و في الشريعة الاِسلامية قبل أن ينتهي الأمر به في شرائع العصر الحديث اِلى أن يصبح مصدرا تفسيريا مجردا من صفة الاِلزام .
الفرع الأول : الفقه مصدر رسمي في الشريعة الاِسلامية .
كان للفقه دور عظيم في الشريعة الاِسلامية ، ذلك ان القرآن و السنة و هما مصدرا الشريعة الاِسلامية الأساسيان جاءا متضمنين المبادئ الكلية و القواعد العامة لأحكام الدين الاِسلامي، مع تفصل بعض الأحكام التي تنظم حقوق الله و مصالح العباد . فقام فقهاء هذه الشريعة ببيان مجال و شروط تطبيق تلك المبادئ و القواعد و الأحكام على الوقائع المختلفة و ذلك عن طريق الاِجماع و القياس الذين يعتبران خلاصة اِجتهادهم و عصارة آرائهم . فظهرت المذاهب الاِسلامية المختلفة و أشهرها المذاهب الأربعة المعروفة التي تم على أيدي فقهائها العظام تأصيل مناهج البحث و تفريع حلول كثيرة منها ، حتى غدت الشريعة الاِسلامية نظاما قانونيا متكاملا ينافس أحدث و أرقى الشرائع .
الفرع الثاني : الفقه في الشرائع الحديثة مصدر تفسيري .
أصبح الفقه في الشرائع الوضعية في الحديثة مجرد مصدر تفسيري للقانون و معلق على أحكام القضاء ، فمهما بلغت درجة الفقيه العلمية فاِن آراءه لم تعد تلزم القاضي بالحكم وفقا لها ، بل اِن القاضي لم يعد يتقيد حتى برأي اِنعقد عليه اِجماع الفقهاء و بذلك فلا يجوز الطعن في حكم ما أما المحكمة العليا لمجرد أنه خالف آراء الفقهاء أو لمجرد أنه خرج على اِجماعهم ، فقد اِنعدم دور الفقه كمصدر رسمي لقواعد القانون و أصبح يقتصر على تفسير هذه القواعد و ذلك اِما بالاِشارة اِلى أوجه النقص أو القصور أو الغموض فيها و اِما بالاِشارة اِلى الطريقة التي يجب وفقا لها تطبيق القواعد القانونية الموجودة .
و على غرار دور الفقه في الشرائع الحديثة ، فاِن الفقه في القانون الجزائري يعتبر مصدرا تفسيريا ، اِذ ليس للفقيه أية صفة في وضع القواعد القانونية ، كما أن آراءه ليست ملزمة للمشرع و لا للقاضي الذين لهما أن يستأنسا به فيأخذاه أو يدعاه و خير دليل على ذلك أن المادة الأولى من تقنيننا المدني التي تعدد المصادر الرسمية للقانون الجزائري لم تذكره من بينها .
المطلب الثاني : القضـــاء
يقصد بلفظ القضاء أحد معنيين :
1/ فقد يطلق هذا اللفظ للدلالة على السلطة القضائية ، أي الجهاز الذي الفني الذي يقوم على مرفق العدالة و الذي يتكون من مجموع المحاكم الموجودة في الدولة التي تتولى أمر الفصل في القضايا المطروحة أمامها .
2/ و قد يطلق هذا اللفظ للتعبير عن مجموع المبادئ القانونية المستخلصة من اِستقرار أحكام المحاكم على أتباعها و الحكم بها عند تطبيقها للقانون .
و على غرار الفقه فقد اِختلفت النظرة اِلى القضاء كمصدر للقانون باِختلاف الأزمان و الشرائع .
الفرع الأول : مركز القضاء في الشريعة الاِسلامية .
كان القضاء أحد مصادر الاِلزام بالقواعد القانونية في الشريعة الاِسلامية في عهدها الأول و خاصة في عهد الخلفاء الراشدين ، غير أن عظمة منزلة فقهاء الشريعة الاِسلامية لم تمكن القضاء من المحافظة على هذا الدور ، اِذ أدت هذه المنزلة الرفيعة للفقه اِلى بسط سلطانه على القضاء الذي غدا مجرد تطبيق لآراء الفقهاء بل اِن العمل كان يجري على اِختيار القضاة من بين الفقهاء البارزين ذوي التفسيرات و الشروح الفقهية التي كانوا يستنبطون قواعدها من أحكام مختلف مصادر الشريعة الاِسلامية و هذا ماجعل القضاء يمتزج بالفقه ، ذلك أن القاضي كان فقيها و الفقيه قاضيا . و من ثم كان من الصعب تمييز القضاء عن الفقه و هذا أيضا ما جعل القضاء ينتهي في الكثير من المجتمعات الاِسلامية اِلى التقيد بمذهب فقهي معين و اِلزام القضاة بالحكم على مقتضى آرائه . و هذا يبدوا واضحا اليوم بالنسبة للجزائر مثلا ، حيث يلتزم القضاة في كثير من المسائل المعروضة عليه التي لا يجد في تقنين الأسرة مثلا أحكاما تنظمها بالرجوع أولا اِلى أرجح الأقوال في المذهب المالكي باِعتبار مبادئه مصدرا اِحتياطيا لمسائل الأحوال الشخصية .
الفرع الثاني : مركز القضاء في الشرائع الحديثة .
لا يزال القضاء في بعض الشرائع الحديثة مصدرا رسميا لقواعد القانون و اِن كان قد أصبح في أغلب هذه الشرائع مجرد مصدر تفسيري للقانون .
الخاتمــة
و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادر الرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية و القاضي يجب عليه فصل النّزاع المعروض عليه و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّة و التفسيرية للقـانون . نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حال قصور التشريع . و قد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصدر من المصادر حقّه في الشّرح و التّفصيل ، على ضوء ما وجدناه في المصادر، و المراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا و وضحنّا و لو جزءا بسيطا من موضوع بحــثنا و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا و تبارك ذو الكمال سبحـانه جلّ و على ، عليه توّكلـنّا و استعنا و استهللنا عرضنا
و بحمده نختمه ، و سلام على إمام الهادين ، و على الأنبياء، و المرسلين و الصّحابة أجمعين و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق